النشاط الشمسي 

وعلاقته بالاحتباس الحراري

د. أبوعزة المحمدي– فيزياء فلكية- جامعة الملك سعود

شمسنا هي نجم ديناميكي باستمرار، حيث تعد حقول المجال المغناطيسي المعقدة والكثيفة المحرك الأساس للنشاط الشمسي، تتم نشأتها في العمق الداخلي للشمس، ثم ترتفع من خلال سطحه في ظل ظروف معقدة (نظرية الدينامو الشمسي). ويعتقد أن معظم الظواهر والأحداث الشمسية التي يتم رصدها تنجم عن تشابك وتفاعل البلازما الساخنة مع المجالات المغناطيسية.

النشاط الشمسي بكل تجلياته المتنوعة وظواهره، الهادئة والانفجارية، له تأثيرات عدة ومختلفة الأوجه على كوكب الأرض. منذ زمن العالم الفلكي والرياضي الإيطالي جاليليو جاليلي يرصد الفلكيون البقع الشمسية(1) التي تظهر على السطح المرئي للشمس، وبالتالي يتم تعدادها ودراسة تغيرها الزمني كمؤشر مباشر للنشاط الشمسي. خلال العقدين الأخيرين من القرن الماضي، ابتداءً من السبعينيات الميلادية، وبفضل التطور الهائل لتكنولوجيا الرصد الشمسي، من الأرض وكذلك من الفضاء، تتم المراقبة عن كثب وبدقة عالية، في الزمن وفي المكان، للنشاط الشمسي ومؤشراته عبر الطبقات المختلفة للشمس، حيث يحاول العلماء التعرف على حدة الظواهر الشمسية العنيفة قبل حدوثها، وذلك لما لها من تأثيرات متوقعة على الرياح الشمسية والطقس الفضائي. كما يمكن أن تلحق الضرر الجسيم، خصوصا التوهجات الفائقة الشدة (Strong X-class Flares) والمقذوفات الكتلية الإكليلية في اتجاه الأرض (Earth Directed CMEs)، على المراصد الفلكية الفضائية ووسائل التواصل اللاسلكي والأجهزة الالكترونية. تجدر الإشارة هنا، أنه مؤخرا في فبراير 2020، أطلقت وكالة الفضاء الأوروبية (ESA)؛ بالتعاون مع وكالة ناسا (NASA) الأمريكية بعثة فضائية واعدة للغاية، أطلق عليها اسم المركبة المدارية الشمسية (Solar Orbiter) وهي واحدة من مركبتين فضائيتين متكاملتين، تهدف إلى إجراء قياسات مفصلة للغلاف الشمسي الداخلي والرياح الشمسية التي تشكلت حديثًا، مع التركيز على عمليات الرصد الدقيق للمناطق القطبية للشمس، وانضمت إلى بعثة مسبار باركر الشمسي (Parker Solar Probe) التابعة لوكالة ناسا، التي أطلقت في شهر أغسطس 2018 من منطقة كيب كانافيرال، مستهدفة منطقة الفضاء التي تنفصل فيها بلازما طبقة الكورونا لتصبح رياحًا شمسية. محليًا، وفي إطار سعي جامعة الملك سعود إلى الرقي بعلوم الفلك والفضاء بما يتوافق مع رؤية المملكة وتطلعات ولاة الأمر حفظهم الله خصوصا بعد الأمر الملكي السامي بإنشاء الهيئة السعودية للفضاء تسعى كلية العلوم ممثلة في قسم الفيزياء والفلك لإنشاء برامج جديدة ومحدثة وكذلك إغناء وسائل الرصد الفلكي وتنويعها لجذب الطلاب والمهتمين لهذا التخصص المميز. في هذا الإطار تم إنشاء مرصد شمسي متطور لرصد ديناميكية الشمس على طبقة الكروموسفير. (الشكل 1) توضح طبيعة التلسكوب المسمى (“Flare Monitoring Telescope “FMT) وبعض خصائصه مرفوقة بمثال لرصد فلكي محلي من القبة الفلكية في قسم الفيزياء والفلك.

1- البقع الشمسي (Sunspots): أماكن داكنة تظهر جليا على سطح الفوتوسفير للشمس (السطح المرئي) خصوصا خلال ذروة النشاط الشمسي. وتظهر داكنة كونها أقل حرارة من باقي سطح الشمس بسبب النشاط المغناطيسي المرتفع خلالها. كما أن هذه البقع لها امتداد (كمناطق للنشاط المغناطيسي العالي) إلى الطبقات الشمسية العليا: الكروموسفير، الطبقة الانتقالية ثم الكورونا وصولًا إلى الرياح الشمسية. وعدد البقع الشمسية له دورة معروفة تقارب 11 سنة كباقي مؤشرات النشاط الشمسي، وهي نصف الدورة المغناطيسية للشمس (22 سنة).

(الشكل 1): (أ) صورة للتلسكوب الشمسي (6tubes FMT) من المرصد الفلكي لجامعة الملك سعود. يرصد التلسكوب قرص الشمس كاملا لطبقة الكروموسفير في الطول الموجي الخاص بالهيدروجين ألفا وجوانحه (Halpha line-center and 4 wings: +0.8 Å, – 0.8 Å, + 1.6 Å and – 1.6 Å). (ب) مثال لرصد فلكي بالتلسكوب الشمسي لقرص الشمس بتاريخ 19 نوفمبر 2015 في مركز Halpha حيث تظهر الخطوط الداكنة (Filaments). (ث) مثال لرصد فلكي بالتلسكوب الشمسي لحواف قرص الشمس بنفس تاريخ وتوقيت الصورة (ب) حيث تظهر الشواظ الشمسية

(Prominences). (Credit: King Saud University Astronomical Observatory)

مؤشر الإشعاع الشمسي وعلاقته بحرارة الأرض

في الوقت الحاضر، توجد الشمس في مرحلة ارتفاع واضح في النشاط الشمسي انتقالا من المرحلة الدنيا للنشاط، في الدورة الجديدة رقم 25 التي انطلقت رسميا في شهر ديسمبر 2019 (أنظر الشكل 2)، حيث بدأت العديد من الظواهر الشمسية المثيرة للاهتمام والمعقدة مغناطيسيا في الظهور. كما ذكرنا سابقًا بأن علماء الفلك يتابعون ويحللون رياضيًا وفيزيائيًا عدة مؤشرات للنشاط الشمسي (Solar Activity Proxies)، نذكر منها على سبيل المثال لا للحصر: عدد البقع الشمسية، مساحة البقع الشمسية، التدفق الراديوي (cm 10.7) والإشعاع الشمسي الذي يصل لسطح الأرض. من جهة أولى يعد الإشعاع الشمسي (Solar Irradiance) من بين المؤشرات المباشرة التي يمكن قياسها بدقة متناهية بأجهزة استشعار متطورة وتعكس كمية الطاقة التي تتلقاها الأرض من الشمس. نشير هنا أن ارتفاع عدد البقع الشمسية يؤدي إلى ارتفاع الإشعاع الشمسي (Highly Correlated) رغم أن البقع الشمسية تعد مناطق داكنة وأقل حرارة من باقي سطح الشمس الهادئ. وهذا ناتج بالأساس لكون البقع الشمسية هي مناطق نشاط شمسي مرتفع مصحوب بتعقد في المجال المغناطيسي مما يجعلها أماكن مناسبة لحدوث ظواهر عالية الطاقة، على طول أماكن انعكاس القطبية (Polarity Inversion Lines)، تسهم بشكل كبير في ارتفاع الطاقة الإشعاعية الكلية التي تصل كوكبنا.

 الشكل (2): تمثيل بياني لأخر 8 دورات شمسية ممثلة في التطور الزمني لعدد البقع الشمسية الشهري. الخط الأزرق يمثل تقريبا للتطور المرصود (Smoothed Monthly Values). السهم الأحمر يشير إلى الفترة الحالية للدورة 25 الشمسية. [Data Source: SPACE WEATHER PREDICTION CENTER]

ومن جهة ثانية، فإذا نظرنا للتطور الزمني للحرارة العالمية مقارنة بالإشعاعات الشمسية التي تصل الأرض يمكن استنباط مجموعة من النقاط المهمة التي من شأنها أن تساعد على تقييم مدى ارتباط النشاط الشمسي بما تم رصده من ارتفاع ملاحظ لدرجات الحرارة على كوكبنا الأرض. (الشكل 3) يبين الاتجاه العام في درجة الحرارة العالمية (Temperature Trend) مقارنة بالتغيرات في كمية الطاقة الشمسية التي تضرب الأرض، حيث إن الإشعاع الشمسي، وكما باقي مؤشرات النشاط الشمسي، له دورة عمرها حوالي 11 سنة تتغير الطاقة فيها بنحو  0.1% في كل دورة (بين أعلى وأدنى قيمة للإشعاع). كما أن القياسات الحرارية العالمية تشير بشكل واضح أن النظام المناخي الأرضي يتجه للسخونة تقريبًا منذ عام 1970 (الخطوط الحمراء في الشكل 3) حيث ارتفعت مثلًا درجة حرارة العقد 2010-2020 لتصل إلى متوسط يقارب 1.09 درجة مئوية مقارنة بفترة ما قبل الثورة الصناعية (1850-1900) بمعدل ارتفاع لدرجات الحرارة السطحية بحوالي 0.2 درجة مئوية في العقد الذي صاحبه ارتفاع في عدد الأيام والليالي الدافئة. وهنا يمكن ملاحظة أنه في حالة فرضية أن النشاط الشمسي يتحكم بشكل رئيس في حرارة الأرض، فعندئذ كان ينبغي أن نرصد اتجاها للبرودة ونزولا في درجات حرارة الأرض مثلا في الفترة الزمنية خلال العقد 2000-2010 على عكس ما يلاحظ من القياسات الحرارية (أنظر خطوط تطور الحرارة في الشكل 3، الخطوط حمراء اللون).

(الشكل 3): التغير السنوي في درجة الحرارة العالمية (الخطوط الحمراء) مع الإشعاع الشمسي الكلي السنوي (الخطوط الزرقاء) منذ سنة 1880. ( Source: https://skepticalscience.com) -بتصرف

خلاصة واستنتاجات

لعله من المنطقي والبديهي أن نعتبر أي تغير في نشاط نجمنا الشمس، باعتبارها المصدر الرئيس للطاقة وللحياة على سطح الأرض، من شأنه أن يكون سببًا في تغير نظامنا المناخي الأرضي والاحتباس الحراري(2). لكن كيف يمكن علميًا تأكيد أو نفي هذه الفرضية؟ كما ذكرنا في الفقرات السابقة فمن الممكن أن تؤثر التغيرات في الاشعاع الشمسي الكلي على المناخ من عقد زمني إلى عقد أخر، غير أن أي زيادة في الطاقة الشمسية(3)، لا ترقى إلى مستوى تفسير الاحترار والاحتباس الحراري الأرضي. إضافة لذلك فعلى مدى السنوات الخمسين الأخيرة أظهرت الشمس اتجاهًا عامًا نحو التناقص في الإشعاع نحو الأرض. ومع ذلك تستمر درجات الحرارة العالمية في الزيادة. وبالتالي فإذا كانت طاقة الشمس تتناقص بينما الأرض ترتفع درجة حرارتها، فلا يمكن أن تكون الشمس ونشاطها المتحكم الرئيس في درجة الحرارة على الأرض.

2- الاحتباس الحراري (Global Warming)‏: ارتفاع في درجة الحرارة المتوسطة السطحية للأرض (تسمى كذلك بظاهرة الاحترار) مع زيادة كمية الغازات «الدفيئة» في الجو مثل غاز الميثان، ثاني أكسيد الكربون وبعض الغازات الأخرى.

3- الطاقة الإجمالية (الاشعاع الكلي) التي تشعها الشمس تختلف على مدى الدورة الشمسية، 11 سنة، حيث تكون في المتوسط 0.1% أكبر خلال مرحلة الذروة مقارنة بالقيم التي تأخذ أثناء المرحلة الدنيا للنشاط الشمسي.

من بين النقاط العالية الأهمية عندما يدرس العلماء ويحللون فرضية العلاقة «النشاط الشمسي-الاحتباس الحراري» هي أنه إذا كانت الشمس مسؤولة عن الاحترار العالمي، فإننا نتوقع علميا أن نرى الاحترار، عندما تكون طاقة الشمس في ذروتها (الحد الأقصى للطاقة الشمسية)، جليا على جميع طبقات الغلاف الجوي، من السطح والغلاف الجوي السفلي (التروبوسفير) إلى الغلاف الجوي العلوي (الستراتوسفير). غير أنه بدلًا من ذلك، تظهر الأرصاد والحسابات العلمية المتخصصة ارتفاعا في درجة حرارة سطح الأرض وطبقة التروبوسفير، في حين طبقة الستراتوسفير تظهر اتجاها واضحا نحو البرودة. من المهم كذلك أن نذكر هنا أن هذا النمط هو ما يمكن توقعه من تأثير الغازات «الدفيئة» الحابسة للحرارة بالقرب من سطح الأرض نتيجة ارتفاع كثافتها وتراكمها في الجو. زيادة على هذه النقاط، فهذا التزايد الملاحظ في الحرارة العالمية يتماشى مع فترة التطور التكنولوجي والطفرة الطاقية والاقتصادية وما صاحب ذلك من استعمال بشري مفرط وغير محسوب العواقب لمصادر الطاقة المختلفة الملوثة.

أخيرًا، وليس آخرًا، فبدل إلقاء «اللوم» على مصدر استمرار الحياة على سطح الأرض نجمنا الشمس فإنها (أي الشمس) ممكن أن تشكل «الحل» الأمثل كمصدر غير منتهي للطاقة النظيفة والمتجددة و بالتالي المحافظة على البيئة وضمان استدامتها، بالإضافة طبعا لسياسات وخطط استراتيجية عالمية نحو التخفيف من الانبعاثات المضرة (مثل اتفاقية كيوتو(4) الرامية إلى الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة).

4- اتفاقية كيوتو المناخية: تمثل هذه الاتفاقية خطوة تنفيذية لاتفاقية الأمم المتحدة المبدئية بشأن التغير المناخي (UNFCCC or FCCC)، وهي معاهدة بيئية دولية خرجت للضوء في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية (UNCED)، ويعرف باسم قمة الأرض الذي عقد في ريو دي جانيرو في البرازيل، في الفترة من 5-14 يونيو 1992. هدفت المعاهدة إلى تحقيق «تثبيت تركيز الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي عند مستوى يحول دون تدخل خطير من التدخل البشري في النظام المناخي.

Share This