تطبيقات تقنيات النانو في
التشخيص الطبي
والوقاية الصحية في مقاومة جائحة كورونا
د. هشام بن عبدالعزيز الهدلق
تطوّرت العلوم المرتبطة بتقنيّة النانو في العقود الماضيّة بشكل متسارع، وأسهمت الدول في دعم هذه التقنيّات، لما لها من محفزات وابتكارات، ومن ذلك إمكانية الإسهام في تغيير مسار تطبيقات هندسيّة وطبيّة، ما كان لها أن تتغيّر دون ثورات علميّة أساسيّة في التعامل على المستوى الذري والجزيئي. أثار انتشار جائحة كورونا عالميًّا أسئلة جادة حول قدرة الأنظمة الصحيّة في العالم لمواجهتها والحدّ من آثارها، من دون التأثير في سير المنظومة الصحيّة، وعملها الأساسي في التشخيص والعلاج لأمراض مزمنة. من هذا المنطلق، فتحت تقنيّات النانو المستحدثة فرصًا جديدة لتطوير استراتيجيات مبتكرة في الوقاية والاحتراز والعزل والتشخيص.
خلال العقدين الماضيين، توسّعت دراسة الجسيمات والمواد المتناهية الصغر بحجم يقاس بمقياس النانو؛ نتيجة للخصائص المتميّزة لها في صغر حجمها وأطوالها، وقدرتها الذوبانيّة العالية، والقدرة على تشكّل سطحها وتعدّد وظائفها، وتنوّعت التطبيقات الطبيّة، مثل: رفع نسبة أمان الدواء، وتطبيق الطب النانوي على المستوى الفردي، والتحكّم في إيصال الدواء، والتشخيص المبكر بحساسية عالية لمنع تفاقم الأمراض وعلاجها مبكرا قبل استفحالها. ظهر إسهام تقنيّات النانو المبتكرة في التشخيص والوقاية في تطبيقات مفيدة في السنوات الأخيرة، خصوصًا في تطوير مواد ذات صفات خاصة، وجديدة تسهم في تحسين التصوير الطبي، وقدرة الحساسات على الكشف والتشخيص الدقيق.

فعاليّة النانو في مواجهة الجائحة
أثبتت الدراسات الحديثة المنشورة أخيرًا قدرة تقنيّات النانو على تطوير مواد وأنظمة تسهم في التصدي والتعامل مع جائحة كورونا، في مجال التشخيص الطبي، والفحص المخبري، وتطوير معقمات قاتلة للفيروس، وصناعة ملابس الوقاية والعزل لعامّة الناس، وممارسي الصحة العامة، وتطهير الأسطح والأماكن العامة المشتركة، وتركيب مرشّحات تنقيّة الهواء، واستخدام ناقلات الأجسام الحيويّة. على سبيل المثال، أظهرت بعض الدراسات البحثية المنشورة حديثًا احتماليّة منع انتقال الإصابة المعديّة وقائيًّا عن طريق الطلاء السطحي الطبقي لمواد نانويّة. كما أظهرت دراسات مسحيّة بحثيّة أخرى قدرة الجسيمات النانويّة – خصوصا المعدنيّة مثل معدن الفضة -على التصدّي للفيروسات والبكتيريا المعدية بخواصها المتميّزة في منع تفشي البكتيريا على الأسطح، واستخدامها كأداة لمكافحة البكتيريا والفطريات والفيروسات بأنواعها.
كما أظهرت الدراسات إسهام تقنيّات النانو في مكافحة انتشار الفيروسات، التي شملت تصميم ملابس العزل، والحماية لممارسي الصحة، بإضافة المواد النانوية ذات الطابع التعقيمي، وتكوين طبقة سطحيّة عازلة لتعطيل عمل الفيروس، ومنع انتشاره، وتصميم طرائق كشف ذات حساسيّة ودقة عالية بالاعتماد على الحساسات المركبة، من مواد وأجسام نانويّة تتميّز بسرعة تحديد الإصابة بالفيروس، أو ظهور مقاومة الأجسام الحيويّة المضادة، إذ أظهرت الحساسات الحيويّة المعتمدة على تقنيات النانو إمكانيّة التشخيص والاكتشاف المبكر للالتهابات الفيروسيّة بحساسيّة عالية ودقة نوعيّة تتفوّق على الحساسات الحيويّة التقليديّة.
أريحيّة التنفس الطبيعي
كما أسهم استخدام بعض المركبات، مثل الألياف النانويّة (nanofibers) في صناعة وتركيب الكمامات، وغطاء الوجه؛ للحماية من انتقال الفيروس في تحقيق أريحيّة التنفس الطبيعي، ودخول الهواء وخروجه، وتقليل ضغط الكمامة على الوجه أثناء ارتدائها ساعات طويلة، مع توفير حماية من دخول الجسيمات المضرة التي يكون حجمها أقل من 50 نانومتر من خلال الكمامة ، حيث أن معظم الكمامات التقليدية لا تحمي من الجسيمات التي يقل حجمها عن 100 نانومتر.
كما أظهر استخدام بعض الجسيمات النانوية المعدنية ذات الخصائص المضادة للبكتيريا أهمية كبرى في عمل مرشحات الهواء، وفي تعطيل عمل الفيروسات والميكروبات في المرشح؛ مما يسهم في تقليل الانتقال نتيجة لتغيير المرشحات باستمرار.


النانو في فحص كورونا
في مجال الفحوصات ولأهميّة الفحص الدقيق والنتائج السريعة في جائحة، مثل جائحة كورونا، تستخدم الجسيمات النانويّة في مركبات الكشف فيما يسمى المقاييس المناعيّة (immunoassays) في الفحوصات ذات النتائج السريعة للكشف عن الأجسام المضادة و مولداتها وتركيزها الحيوي. تتميّز هذه الاختبارات بأنها لا تحتاج إلى وقت طويل (أقل من نصف ساعة)، ويمكن الكشف بعيّنات صغيرة الحجم، وهي سهلة الاستعمال، ولا تحتاج إلى تدريب مكثف. كما تطوّرت الجسيمات النانوية ذات الطبيعة المغناطيسيّة في التطبيقات الطبيّة مما انعكس على تحسين التصوير الطبي في التشخيص، والكشف المبكر، ومتابعة تحسن المريض. وقد أظهرت عدة أبحاث منشورة حديثًا تحسين بعض هذه الجسيمات النانويّة المغناطيسيّة المغلفة بمركبات ذات وظائف متعدّدة طرائق عزل الحمض النووي للفيروس، ومن ثم، رفع مستوى الحساسيّة في الكشف عن الإصابة، وعزل الحالات، وحجرها في الوقت المناسب.

تبيّن لنا من بعض الأمثلة الواقعيّة المذكورة أن تطوّر علوم النانو وتقنياته في الحقبة الماضيّة والتوسّع في دعم أبحاثها التطبيقيّة كان له أثر ملموس انعكس على واقع الحياة اليوميّة، ومن ذلك الإسهام في إستراتيجيّات وخطط التعافي والوقاية من هذه الجائحة، وأسهم هذا التطور في رفع كفاءة التشخيص، ودقته، وسهولته، وتوفير سبل الوقاية، والإجراءات الاحترازيّة بكفاءة عالية، وتكلفة اقتصاديّة مناسبة، تأكيًدا لأهميّة الاستثمار على المدى البعيد في علوم وتقنيات حديثة لمواجهة تحدّيات لم تكن البشرية تضعها في الحسبان.