تقنيات التيراهيرتز
مستقبل المستشعرات والاتصالات فائقة السرعة
د. سلمان الفهيد الهندسة الكهربائية – مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية – السعودية
خلال العقدين الماضيين ظهر اهتمام الباحثين والعلماء بشكل لافت بتقنيات التيراهيرتز الناشئة في مجالات علمية مختلفة، امتدادا من الفيزياء والاتصالات إلى الأحياء والطب، بهدف تطوير تطبيقات فعّالة وواعدة. تندرج هذه التطبيقات الواعدة ضمن ثلاثة محاور رئيسة هي: الاتصالات فائقة السرعة، والمستشعرات، والتصوير. ففي الاتصالات توفر تقنيات التيراهيرتز القدرة على إرسال واستقبال البيانات بسرعات عالية. كما أن مستشعرات التيراهيرتز توفر نطاقا واسعا من الفحص والتحليل الذي يشمل الفحص الأمني، وفحوصات تلوث الهواء، وفحص الحمض النووي، والقياسات الحيوية، والفحوصات التشخيصية الطبية، وتحليل جودة الغذاء والدواء، وغيرها. أما في التصوير فلأشعة التيراهيرتز المقدرة على اختراق عدد من الأجسام الصلبة والحيوية (التي لا تخترقها الأشعة المرئية)، وبالتالي يمكن الكشف والتعرف عما بداخل هذه الأجسام. وبشكل عام، تنبع تطبيقات التيراهيرتز من حقيقة أن هذه الأشعة ذات الأطوال الموجية المايكرومترية، أشعة غير مؤينة، آمنة للبشر، ولها طاقة فوتونات منخفضة. حيث يشمل نطاق التيراهيرتز الأطوال الموجية من ٣٠ إلى ٣٠٠٠ مايكروميتر، أو الترددات التي تمتد ما بين ٠.١ إلى ١٠ تيراهيرتز، التي تقع ما بين الترددات البصرية (الأشعة تحت الحمراء) والترددات الإلكترونية (المايكروويف) في الطيف الكهرومغناطيسي.

يعد نطاق التيراهيرتز أحدث نطاق تم اكتشافه ودراسته في الطيف الكهرومغناطيسي، ولذا لايزال هناك حاجة ماسة للتطوير والابتكار فيه. في السابق كان يُعرف النطاق المحصور بين الأشعة تحت الحمراء وأشعة المايكروويف باسم “فجوة التيراهيرتز”، بسبب عدم القدرة على تصنيع بواعث وكواشف في هذا النطاق الصعب. نظرًا لصعوبة توليد وكشف هذه الترددات بالطرق التقليدية. فعلى سبيل المثال لا يمكن استخدام التقنيات البصرية (كما في الأشعة تحت الحمراء)، أو التقنيات الإلكترونية (كما في أشعة المايكروويف) لتوليد أشعة التيراهيرتز ذات النطاق العريض، وذلك بسبب القيود الفيزيائية. من أهم هذه القيود عدم وجود مواد أشباه الموصلات لها طاقة فجوة ملائمة، وعدم قدرة الإلكترونيات التقليدية على توليد هذه الترددات العالية نسبيا. ومع التطور الكبير لتقنيات الليزر فائق السرعة، بالإضافة إلى ابتكار البواعث الكهروضوئية، تمكن العلماء من تصنيع بواعث وكواشف كهروضوئية فعّالة وباستخدام مواد أشباه الموصلات، التي يمكنها التكامل مع تقنيات الليزر فائق السرعة، ومن حينها كانت الانطلاقة الحقيقة لعصر تقني جديد في أشباه الموصلات، عصر التيراهيرتز.
تقود تقنيات التيراهرتز الرحلة نحو عصر جديد من الاتصالات فائقة السرعة، لتلبي الاحتياج المتزايد للنطاق العريض، مع سرعة نقل بيانات عالية لتلبية الاحتياج في الجيل السادس من الاتصالات، ويتوقع الخبراء أن يُتاح للمستخدمين بحلول عام ٢٠٣٠. يسمح الجيل السادس من الاتصالات بإمكانية نقل بيانات بسرعات فائقة للمستخدم تصل إلى تيرابت في الثانية(Tbit/ s) ، لذا تعتبر تقنيات التيراهيرتز مُمكِّنا حقيقيا لمستقبل الاتصالات في العالم. ومن المتوقع أيضا أن يتم تطبيق هذه التقنيات ضمن أنظمة متكاملة أخرى بما يخدم العديد من التطبيقات المستقبلية الذكية، مثل تقنيات إنترنيت الأشياء (IoT) والاتصالات الداخلية (indoor communication)، وذلك متى ما تم تجاوز العقبات الجوهرية في إرسال واستقبال الأشعة لمسافات طويلة (ويعكف العلماء على حلها في وقتنا الحاضر)، مثل امتصاص الإشعاع بسبب بخار الماء الموجود بالجو، حيث إن أشعة التيراهيرتز لها حساسية عالية تجاه الماء وبالتالي بخار الماء في الهواء.
وفي الاستشعار، تقع مستويات الطاقة الاهتزازية والدورانية للعديد من الجزيئات ضمن ترددات التيراهيرتز. ولذا بالإمكان التفريق بين العناصر المختلفة عند تعرضها لهذه الأشعة باستخدام تقنية مطياف التيراهيرتز الزمني. ومع ما ذكر، فإن هذه الأشعة ليس لها تأثير على المكونات الحيوية، مما يعزز من فكرة استخدامها في العديد من التطبيقات الطبية، التي تلامس صحة الإنسان بشكل مباشر. وبالمقارنة مع الترددات المليمترية، تتمتع ترددات التيراهيرتز بانتقائية تردد أقوى، وتأثير تشتت أكثر وضوحا، وامتصاصا ضوئيا أشد، مما يتيح إمكانية استخدامها بنجاح لتطبيقات الاستشعار عالي الدقة في المجالات الأمنية والعسكرية الحساسة، والمجالات المتعلقة بجودة الغذاء والدواء.


أما في التصوير الذي يعتبر إحدى طرق الفحص غير الهدام (non-destructive testing)، فتمتاز أشعة التيراهيرتز مقارنة بالأشعة السينية بأنها أشعة غير خطرة على خلايا الإنسان، وهو ما يوفر فرصة لاستخدامها بشكل آمن في المطارات للكشف عما يحمله المسافرون. بالإضافة إلى ذلك، بإمكان أشعة التيراهيرتز اختراق طبقات مختلفة من الأنسجة (أو الأسطح) مقارنة بالأشعة السينية، مما يزيد من كفاءة التصوير والاكتشاف للعناصر المختلفة. كما أثبت الدراسات العلمية ذات العلاقة قدرة التصوير باستخدام هذه الأشعة على التفريق بين الخلايا السرطانية والخلايا السليمة في وقت مبكر، مما يفتح آفاقًا طبية جديدة في التشخيص المبكر للأمراض.
وفي وقتنا الحاضر، دخل عددٌ من تقنيات التيراهيرتز المتعلقة بالتصوير والاستشعار إلى الأسواق العالمية، مع تركيز شديد على البواعث والكواشف الكهروضوئية. وبالنظر إلى معدل نمو سنوي مركب لسوق تقنيات التيراهيرتز يزيد عن ٢٥٪، يتوقع أن يصل حجم سوق هذه التقنيات الناشئة إلى أكثر من ١.٨ مليار دولار بحلول عام ٢٠٢٨م، مدعوما بالطلب المتزايد لمثل هذه التقنيات في قطاعات حساسة كالدفاع، والأمن، والطب.
المراجع
- Tonouchi, “Sate-of-the-Art of Terahertz Science and Technology,” in Frontiers in Optical Methods, Berlin, Springer, 2014
- Tadao Nagatsuma, Guillaume Ducournau, and Cyril C. Renaud, “Advances in terahertz communications accelerated by photonics,” Nature Photonics, 10, p. 371–379, 2016.
- Salman Alfihed, Jonathan F. Holzman, and Ian G.Foulds, “Developments in the integration and application of terahertz spectroscopy with microfluidics,” Biosensors and Bioelectronics, 165, p. 112393, 2020.
- Katsuhiro Ajito and Yuko Ueno, “THz Chemical Imaging for Biological Applications,” IEEE Transactions on Terahertz Science and Technology, 1, no. 1, pp. 293 – 300, 2011.
- Markus Walther, Bernd M. Fischer, Alex Ortner, Andreas Bitzer, Andreas Thoman, and Hanspeter Helm, “Chemical sensing and imaging with pulsed terahertz radiation,” Analytical and Bioanalytical Chemistry, 397, no. 3, p. 1009–1017, 2010
- Saeedkia, Handbook of Terahertz Technology for Imaging, Sensing and Communications, Oxford: Elsevier, 2013.