تقنية النانو
وتطبيقاتها في مجال الصناعات النفطيّة
أ.د. زين يماني فيزياء-جامعة الملك فهد للبترول والمعادن
د. قاسم درموش فيزياء-جامعة الملك فهد للبترول والمعادن
م. محمد سنهوب هندسة كيميائية-جامعة الملك فهد للبترول والمعادن
اشتقت كلمة نانو من الكلمة اليونانيّة (nano) التي تعني القزم. وتعرَّف الجسيمات النانونيّة بأنّها تلك الجسيمات التى لا يزيد أبعادها على 100 نانومتر (النانومتر جزء من ألف مليون من المتر). ولكي نضع أبعاد النانو في سياق مبسَّط فيمكن للقارئ تخيُّل أنَّ أصغر الأشياء التي يمكن للإنسان الطبيعي رؤيتها بالعين المجردة بُعدها نحو 10,000 نانومتر، كما يبلغ عرض متوسط بكتريا الكوليرا نحو 1 مايكروميتر أي ما يعادل 1000 نانومتر، بينما عرض شعرة الإنسان (أنظر الشكل 1) نحو 50,000 نانومتر (1).

الشكل 1: (أ) صورة بالمجهر الإلكتروني الماسح لعرض شعرة رأس كتب عليها نحتًا الاسم المختصر لمركزالتميـّز البحثي لتقنيّة النانو -جامعة الملك فهد للبترول والمعادن-المملكة العربية السعودية باستخدام جهاز الشعاع الأيوني المركَز، وتظهر فيها أبعاد اسم الجامعة 50 ميكروميتر التي تعادل 50 ألف نانومتر، (ب) صور مقرّبة لبعض حروف جامعة الملك فهد، ويظهر فيها تأثير الشعاع الأيوني في الشعرة وحرف P الذي يقارب عرضه 6000 نانو
وزخم تقنيّة النانو نابع من الخصائص والميّزات الفريدة للجسيمات النانونيّة، التي تشمل صغر حجمها، مما يمكّن هذه الجسيمات من الوصول إلى أماكن ضيّقة، مثل: الأوعية الدمويّة في جسم الإنسان أو مسام الصخور في مكامن البترول بأعماق الأرض.
ومما يميّز المواد النانويّة مقارنة مع المواد نفسها، ولكن بحجم الميكروميتر هو عِظَم مساحتها السطحيـّة (surface area). ولتوضيح مفهوم مساحة السطح، سنفترض أن لدينا مكعبًا من الذهب بأبعاد متر واحد، وبالتالي فإن مساحة هذا السطح ستكون 6 أمتار مربّعة. أما إذا قسـّمنا هذا المكعب إلى مكعبات صغيرة بأبعاد 1 نانومتر ، فإن مساحة السطح ستصل إلى 6 آلاف مليون متر مربّع. ولقد أفسحت تلك المميَّزات والتغييرات الفيزيائيّة للمواد النانويّة المجال في كثير من التطبيقات، إذ تدخل تطبيقات تقنيّة النانو في كثير من المجالات الطبيّة، والصناعيّة، والعسكريّة، والزراعيّة، والطاقة وغيرها.
ولأنه من الصعب حصر تطبيقات النانو في مقال واحد، ولكون المملكة العربيّة السعوديّة واحدة من أهم الدول في مجال الطاقة بشكل عام، وفي صناعة البترول والبتروكيميائيّات بشكل خاص، فسوف نتناول في هذا المقال بشكل مبسَّط أهم تطبيقات تقنيّة النانو في الصناعات البتروليّة.
ومما لا شك فيه أنَّ التقدُّم الصناعيّ والاقتصاديّ الذي شهدته البشريّة اعتمد بدرجة أساسية على تطوُّر مصادر الطاقة التي منحنا الله إيَّاها على شكل ثروات طبيعيـّة. ومن أهمّ هذه الثروات الطبيعيَّة هي الموارد النفطيَّة، التي تعدُّ الركيزة الأساسيّة للصناعات والتقدُّم الا٤قتصادي في مملكتنا الغالية. ولربما كان استنزاف هذه المواد سائدًا خلال العقود الماضيّة، لذا أصبح لزاماً على الباحثين والعلماء إيجاد وسائل وبدائل من أجل استغلال هذه الثروات استغلالًا مثاليـًّا تتحقق فيه الفائدة العظمى من هذه الثروات بتكلفة أقلّ، وبما يضمن الحفاظ على النظام البيئيّ من أيّ ملوّثات.
إن المواد النانويّة متباينة في الحجم والشكل، إذ إن هناك مواد نانويّة على شكل دائري أو على شكل أسلاك أو غيرها من الأشكال (انظر الشكل 2). و قد تمكـّن العلماء من تصنيع كثير من المحفزات الكيميائيّة ذات الأبعاد النانويّة بطرائق كيميائيّة وفيزيائيّة مختلفة، وقد أسهمت بدور كبير في تحويل النفط الخام إلى مركـّبات كيمائيّة أكثر أهميـّة، وأعظم جدوى اقتصاديّة.

الشكل 2: صور مجهريّة باستخدام المجهر الإلكتروني الماسح والمجهر الإلكتروني النافذ لحبيبات الفضة بأشكال نانويّة مختلفة. [2]

تؤدّي المحفـّزات الكيميائيـّة ذات البنية النانويّة دورًا بارزًا في إتمام كثير من التفاعلات الكيميائيِّة بصورة عالية الكفاءة. وتعمل هذه المواد على القيام بعمليّة تكسير النفط الخام الثقيل إلى مركـّبات أخرى، وبتكلفة مقبولة. بل تسهم المحفـّزات النانويـّة في إتمام كثير من العمليّات الصناعيّة الأخرى المصاحبة لاستخراج ونقل النفط، مثل: تخليص الهواء من غاز ثاني أكسيد الكربون المسبب للاحتباس الحراري، وتخليص البترول من الملوّثات البيئيّة، وكذلك تخليص المياه المصاحبة لاستخراج النفط من المكوّنات السامة والعناصر المعدنيّة الثقيلة. وبشكل عام يركـّز الباحثون والعلماء في مجالات المحفـّزات الكيميائيـّة في الآتي:
إنتاج المواد النانويّة وتطويرها
مما يُجمع الباحثون عليه أنَّ تغيير أشكال المواد النانويّة وأحجامها ودمجها معًا يؤدّي دورًا كبيرًا في تغيير الخصائص البصريّة، والميكانيكيّة، والكهربائيّة، والحرارية لهذه المواد. ومن ثم، يتسابق الباحثون والعلماء لإنتاج مواد نانويّة البنية يمكن الاستفادة منها، إما في زيادة فاعليّة المحفّزات المستخدمة أو كمحفـّزات جديدة.
ما يشمل إنتاج المواد النانويّة وتطويرها تقليل تكلفة إنتاج أدوات الحفر في أثناء عملية التنقيب، أو تلك التي تدخل في الصناعات البتروكيميائيّة. على سبيل المثال، ثمـّة المواد الزيوليتية (كلمة الزيولايت هي كلمة يونانية تعني الحجر الذي يغلي)، وهي مواد تتكوّن أساسًا من ذرات السيليكون، وذرات الأكسجين، والقليل من ذرات الألومنيوم. وهي مواد مساميـّة، تبلغ صِغر مسامها قريبًا من النانومتر.
وهذه المواد منها الموجود في الطبيعة، ومنها ما يصـنّع في المختبرات. تستخدم هذه المواد كمحفـّزات في كثير من الصناعات البتروكيميائيـّة لتحويل الميثانول إلى مواد ذات قيمة اقتصاديّة أكبر كالأوليفينات مثلًا.
توجد الزيولايت في الطبيعة مع كميّات كبيرة من الشوائب، فضلًا عن وجودها غالبًا بأبعاد تفوق الأبعاد النانومتريّة، مما يصعب استخدامها بصورة مباشرة في العمليّات البتروليّة، لكن تؤدي المواد النانويّة دوراً بارزاً في تنقيّة الزيولايت الطبيعيّ من الشوائب، وكذلك في زيادة كفاءته وجودته.
وإذ إنّ محفـّزات الزيولايت تزيد عدد عائلاتها على 200 عائلة تشكيليّة، فإنّ إضافة عنصر أو أكثر من العناصر الأوليّة إلى خليط مركبات الزيولايت يمكّن من التحكم بأبعاد وشكل وحموضيّة المحفـّزات الكيميائيّة الناتجة. في إحدى الدراسات التي قام بها فريق بحثي من مركز التميـّز البحثي لتقنية النانو بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن وبدعم من شركة أرامكو السعوديّة تمكـّن الباحثون من إضافة عنصر البورون إلى نوع من أنواع المحفـّزات الزيوليتية التي تسمى (زي إس إم-5). إذ أسهم عنصر البورون في تغيير الخواص الفيزيائيّة للمحفز مما نتج منه فاعليّة المنتج في تفاعلات تكسير مادة الدوديكان (مادة زيتية سميكة تتكون من 12 سلسة كربونيّة متصلة وهي من سلسلة البروفينات) (3). وفي دراسة أخرى، جرى إنتاج المحفز الزيوليتي، الذي يطلق عليه كبزايت (CHA)، الذي أثبت فاعليته في تحويل الميثانول إلى الأوليفينات الخفيفة بنسبة تصل إلى 95٪ (4).
استخدامات النانو في تطوير أنظمة الاستشعار
ممّا لا شكَّ فيه أنّ أجهزة الاستشعار تطورَّت بشكل كبير وملحوظ في ظل وجود تقنيّة النانو. ويعود الفضل في ذلك إلى الخصائص الفريدة للمواد النانويّة. ففي مجال صناعة البترول والبتروكيميائيـّات تؤدّي المستشعرات الكيميائيـّة النانويـّة دورًا مهمًّا في:

- استشعار الغازات الضارة المصاحبة للصناعات البتروليّة والبتروكيميائيّة: يصاحب عمليـّات التنقيب عن النفط واستخراج النفط وفي كثير من الصناعات البتروكيميائية تولّد عدد من الغازات السامَّة أوالقابلة للانفجار، مثل: غاز الهيدروجين والهيدروكربونات، وأكاسيد النيتروجين وكبريتيد الهيدروجين وغيرها من الغازات. ولأنَّ فكرة استشعار الغاز في الهواء تعتمد على التفاعل بين سطح المادة المتحسسة والغاز المطلوب استشعاره، فإنّه كلَّما زادت المساحة السطحيّة للمُستَشْعِر كلما زادت حساسيّة أجهزة الاستشعار. ولما تتميـّز بها المواد النانويّة من مساحات سطحيـّة عالية، فقد أدّت دوراً مهما في تحسين خصائص كثير من المستشعرات التي تستخدم في أثناء عمليـّات التنقيب عن النفط، أو خلال عمليّات الاستخراج والنقل.
تؤدّي هذه المستشعرات دورًا مهمًّا في الحفاظ على سلامة العاملين في هذه المجالات، وكذلك الحفاظ على البيئه من التلوُّث. الشكل (3-أ) يبيّن جهاز الرش المهبطي في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن وهو أحد الأجهزة المستخدمة في صناعات المتحسسات الغازية بِبُنيةٍ نانويـّةٍ، وجرى استخدامه لصناعة كثير من المتحسسات، مثل: متحسس غاز الهيدروجين، وغاز الأسيتون، وغاز ثاني أكسيد النيتروجين.
كما يبيّن الشكلان (3-ب) و (3-ت) صور مجهريّة لحبيبات ذهب نانويّة تم ترسيبها على غشاء نانويّ من مادة أكسيد القصدير، تمّ استخدامها كمستشعر عالي التحسّس لغاز الهيدروجين ذي التركيز المنخفض جدًّا في الهواء (أقلّ من جزء من المليون).

الشكل 3: (أ) جهاز الرش المهبطيّ في مركز التميّز البحثي لتقنيّة النانو والمستخدّم في إنتاج أغشيّة نانويّة للكشف عن الغازات الضارة الناتجه في أأثناء عمليّات الصناعات البترولية والبتروكيميائية، (ب) صورة بالمجهر الإلكتروني الماسح و(ت) صورة بمجهر القوى الذريّة لمتحسس غازي مصنع بإستخدام جهاز الرش المهبطي بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن
- الكشف عن المعادن الثقيلة في المياه الملوّثة بالنفط: يرافق عمليـّات إنتاج النفط ضخ كميـّات كبيرة من الماء؛ مما يؤدّي إلى تلوّث هذه المياه بكثير من العناصر الثقيلة مثل الزئبق والرصاص والكادميوم، والحديد، والنحاس، والزنك التي يجب التخلـّص منها للحفاظ على البيئة. تستخدم تقنية النانو لحلّ هذه المعضلة من خلال تحديد نوع هذه المواد في الماء وربما أيضًا التخلـّص منها. ومن أهم المواد النانويّة التي تستخدم في هذا المجال الأطر المعدنيـّة العضويـّة (“Metal Organic Framework”MOF)، وهي فئة من المواد البلوريّة ذات مساحات داخليـّة كبيرة ومساميـّة عالية جدًّا.
- مستشعرات النفط النانويّة: يدرك الباحثون العاملون في صناعة النفط أنّ نسبة عظمى منه لا يندفع بشكل كامل نحو الخارج، كما نرى في مشاهد شاشات التلفزيون. فبينما 10-25٪ منه يندفع من تلقاء نفسه، فإنّ ما يراوح بين 20 و25٪ يجري استخراجه بصعوبة. أمـّا النسبة المتبقـّية، فهي الأكثر صعوبة في الإنتاج. وتختلف هذه الصعوبة حسب وفرة النفط وحسب جيولوجيّة مكامن النفط. لذا، يعمل الباحثون على تصنيع مواد نانويّة كمستشعرات لمعرفة كمّيات النفط المتبقية. يتمّ تغليف هذه المواد النانوية مغلـّفة بطبقات رقيقة تحميها من الحرارة والملوحة في المكوّنات الصخرية. وعند ضخّ هذه الأنظمة النانوية داخل المكامن الصخريّة تستطيع هذه الجسيمات النانويّة التغلغل في المسامات الصخريّة، وتوظـّف لكي تلتصق بالنفط إن وجد، ومن ثمّ معرفة كميّات النفط المتبقـّية وأنواعها.
استخدامات تقنية النانو للحدّ من انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون
مع زيادة الطلب على الطاقة، وبخاصة تلك الناتجة من حرق الوقود الأحفوري، واستهلاكها بشكل كبير خلال العقود الماضية لدفع عجلة الاقتصاد، برزت مشكلة الاحتباس الحراري، التي يرجع السبب الرئيس فيها إلى زيادة نسبة ناتج الاحتراق، وهو غاز ثاني أكسيد الكربون في الهواء.
ولحلّ هذه المشكلة اتجهت أنظار العلماء نحو تقنية النانو للحدّ من انتشار غاز ثاني أكسيد الكربون، وذلك من خلال احتجاز الغاز، وتحويله إلى مركبات نافعة.
ومن أبرز المواد النانويّة الواعدة في مجال حبس غاز ثاني أكسيد الكربون، مادة الأطر العضويّة المعدنيّة (MOF). تتميـّز هذه المواد بهياكلها البلوريّة المرتـّبة، وبمساميـّتها العالية مما يمكّنها من تخزين ثاني أكسيد الكربون داخل مساماتها، و قد يسهم ثاني أكسيد الكربون الملتقط في إنتاج مواد كيميائية مفيدة ذات قيمة مضافة مثل الميثانول.
هناك كثير من الكتب والأوراق العلميّة التي تتحدث بإسهاب عن كيفيّة تصنيع وتوصيف هذه الأطر المعدنيّة، أهمها كتاب قام بتأليفه البروفيسور عمر ياغي، الحاصل على جائزة الملك فيصل في مجال العلوم عام 2015، الذي عنونه باسم ((مقدّمة في الكيمياء الشبكيّة: الأطر المعدنيّة العضويّة والأطر العضويّة التساهميّة))(5). كما قام أحد باحثي مركز التميّز البحثي لتقنية النانو بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن بنشر وِحدّة كاملة في أحد الكتب العلميـّة المحكـّمة بشرح تفصيلي عن كيفيـّة تصنيع هذه المواد، ودورها كمحفـّزات، و قدرتها على التقاط غاز ثاني أكسيد الكربون(6).
فصل الغازات باستخدام المواد النانويّة
يبذل الباحثون جهودًا جبارة للتقليل مِن تراكم غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، إما عن طريق تحويل غاز ثاني الكربون إلى مركبات كيميائيّة ذات فائدة اقتصاديّة، كتحويل غاز ثاني أكسيد الكربون في وجود الميثان إلى مركبات أوليفينيـّة مهمّة اقتصاديا أو عن طريق تخزينها في مواد نانويّة ذات مساحات سطحيّة عالية كالأطر العضويّة المعدنيّة والمحفزات الزيوليتيّة وغيرهما. إلا أنَّ عملية التحويل الكيميائي والتخزين لثاني أكسيد الكربون يتطلّب فصل غاز ثاني الكربون من بقيّة الغازات في أماكن وجوده سواء أكانت في الهواء أم من عوادم العمليـّات الصناعيـّة.
إنّ إحدى أهم الوسائل المساعدة لعمليـّة فصل الغازات هي الأغشيّة النانويـّة الفاصلة. إذ تتميَّز هذه الأغشية بسهولة تدفق الغازات من خلالها فضلًا عن قدرتها على الانتقائيّة العالية للغازات المراد فصلها. ولا زالت الدراسات الحديثة تسعى نحو المضي قدمًا في إيجاد حلول بحثيـّة من أجل الحصول على الاستقرار الميكانيكي للأغشيّة النانويّة. ففي إحدى الدراسات التي قام بها فريق بحثي من مركز التميـّز البحثي لتقنية النانو بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، تمكـّن الباحثون من تطوير أغشية بوليمريّة نانويّة لها مواصفات فيزيائيـّة وكيميائيـّة معدّلة تؤثر إيجابيًّا في بنية الغشاء، ونفاذيـّة الغاز المراد تنقيته(7).
تطبيقات النانو في مجال إنتاج الهيدروجين
في السنوات الأخيرة، أصبح العالم يبحث عن الوسائل البديلة للوقود الأحفوري، وتضاعفت الجهود أكثر في إيجاد الحلول البديلة التي تقلّل من المشكلات البيئيّة المتفاقمة بسبب انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، وما يسببه من احتباس حراري. وعندما قام الباحثون بدراسة مصادر متعدّدة لمصادر الطاقة المحتملة، بما في ذلك الميثانول و الإيثانول، والغاز الطبيعي، والديزل الحيوي، والهيدروجين، كان أحد الخيارات المهمّة هي إنتاج الهيدروجين لاستخدامه مصدرًا للطاقة. إلا أنّ غاز الهيدروجين لا يكاد يوجد في الأرض بصورة طبيعيـّة، بل لا بدّ من إنتاجه في المعامل، إما عن طريق مصادر الغاز الطبيعيّ (الذي يطلق عليه: الهيدروجين الأزرق) أو من مصادر الطاقة النظيفة التي لا يصاحب إنتاجها انبعاثات من غاز ثاني أكسيد الكربون (يطلق عليه: الهيدروجين الأخضر).
في حالة الهيدروجين الأخضر على سبيل المثال، تستخدم المواد النانويّة كمحفّزات لاستخلاص الهيدروجين بعد تفكك الماء إلى هيدروجين وأكسجين، إما في وجود الضوء (فيما يعرف بالتحفيز الضوئي)، أو باستخدام جهد كهربائي (فيما يعرف بالتحفيز الكهربائي). مما سبق يتّضح أنّ تقنية النانو أدّت وستظل تؤدّي دورًا رئيسًا في الصناعات البتروليّة، إذ تسهم بشكل كبير في تحسين إنتاج النفط، وتصنيع مستشعرات نفطيـّة قادرة على سبر أغوار مكامن النفط وإعطاء معلومات عن كميـّات النفط الموجودة فيها.
كما تؤدّي تقنيّة النانو أيضًا دورًا رئيسًا في فصل غاز ثاني أكسيد الكربون، وتقليل انبعاثاته أثناء عمليـّات الصناعات البتروليّة وحرق الوقود الأحفوري، كما تستخدم المواد النانويّة أيضًا في إنتاج الهيدروجين وتنقية المياه المستخدمة لإنتاج النفط، واكتشاف العناصر الثقيلة والسامة فيها. باختصار، لقد حوّلت المواد النانوية ما رأيناه بالأمس خيالًا علميًّا إلى حقائق ملموسة نراها اليوم، و سنستمر في ملاحظة المزيد في العقود المقبلة.