داء السكري

بين العلاجات التقليدية والبديلة

د. فاطمة صالح علوم صحية – جامعة بيروت العربية- لبنان

داء السكري مشكلة صحية عامة خطيرة، معترف بها من قبل عديدٍ من المنظمات الصحية، بما في ذلك منظمة الصحة العالمية باعتبارها وباءً عالميًا (2005 ,Bassett). 

داء السكري: وباء عالمي

هو مرض مزمن يصيب البنكرياس ويتسم بارتفاع نسبة السكر في الدم (Ribeiro et al, 2010). ينتج هذا المرض عندما يعجز البنكرياس عن إنتاج الأنسولين بكمية كافية، أو عندما يعجز الجسم عن الاستخدام الفاعل للأنسولين الذي ينتجه. والأنسولين هو هرمون ينظّم مستوى السكر في الدم (Olokoba et al, 2012). تُحدد شدة مرض السكري بناءً على درجة ارتفاع السكر في الدم، وهذا الارتفاع المزمن وغير المنضبط قد يؤدي، بمرور الوقت، إلى حدوث أضرار صحية جسيمة في عديدٍ من أجهزة الجسم، ولاسيما الأعصاب، الأوعية الدموية، العيون والكلى. إضافة إلى أن عدم انتظام مستوى السكر في الدم قد يؤدي إلى الإصابة بتقرحات القدم السكري والالتهابات والغرغرينا(Reddy, 2017). هناك أشكال متعددة من مرض السكري المعترف بها، بما في ذلك مرض السكري من النوع الأول والنوع الثاني. مرض السكري من النوع الأول هو بشكل عام اضطراب المناعة الذاتية الناجم عن نقص الأنسولين حيث إن البنكرياس يكون غير قادر على إنتاج ما يكفي من الأنسولين أو لا ينتج الأنسولين على الإطلاق (Deepthi et al, 2017). يعتمد مرضى السكري من النوع الأول على حُقن الأنسولين لتنظيم مستويات السكر في الدم وهذا هو ما يُعرف بمرض السكري المعتمد على الأنسولين. يمكن أن يحدث هذا النوع في أي عمر لكنه أكثر انتشارًا بين الأطفال والشباب البالغين الذين تقل أعمارهم عن 30 عامًا (Boles et al, 2017). من ناحية أخرى، مرض السكري من النوع الثاني هو الأكثر انتشارًا من الأنواع الأخرى ويمثل 95-90% من حالات مرض السكري. وينتج عن عدم فاعلية استخدام الجسم للأنسولين الذي يفرزه البنكرياس بشكل صحيح (Deepthi et al, 2017). يمكن أن يحدث هذا النوع في أي عمر إذا كانت هناك عوامل مثل السمنة والتاريخ الأسري وقلة النشاط البدني، ومع ذلك، يُشخص بشكل شائع عند الناس التي تزيد أعمارهم عن 40 عامًا، معروف باسم مرض السكري عند البالغين. غالبًا ما تكون أعراض مرض السكري من النوع الثاني غير بارزة أو غائبة؛ لذا يُشخص الداء لدى كثيرين بعد مرور عدة أعوام على بدء الأعراض، أي بعد ظهور المضاعفات (Deepthi et al, 2017).

واقع داء السكري

داء السكري هو قضية صحية مزمنة، وقد اتسعت رقعة انتشاره اتساعًا كبيرًا. في عام 2000، كان هناك 151 مليون بالغ يعيشون مع مرض السكري في جميع أنحاء العالم. بحلول عام 2011، عدد البالغين المصابين بالسكري ارتفع بنسبة %142 إلى حوالي 366 مليون (شكل 1). بحسب الاتحاد الدولي للسكري (IDF)، وصل عدد الأشخاص الذين يعانون من مرض السكري بين 20-79 سنة إلى 463 مليون مما يشكل %9.3 من سكان العالم البالغين، نصفهم غير مدركين أنهم يعانون من مرض السكري؛ لذا هم أكثر عرضة لتطور المضاعفات الخطيرة المصاحبة، مما أدى إلى 4.2 مليون حالة وفاة في عام 2019 (IDF, 2019). وهكذا، على مدى العشرين سنة الماضية، تزايدت حالات المصابين بداء السكري إلى أكثر من ثلاثة أضعاف بين البالغين. ومع تزايد معدلات السمنة وأعداد كبار السن، أو ما يعرف بشيخوخة السكان، من المتوقع أن يصل عدد البالغين الذين يعانون من مرض السكري إلى 578 مليون (%10.2) بحلول عام 2030 وإلى 700 مليون (%10.9) بحلول عام 2045 إذا لم يكن هناك إجراءات عاجلة لمواجهة هذا التحدي (Saeedi et al, 2019). كما أنه جدير بالذكر أن أعلى معدل انتشار للسكري بين البالغين هو في البلدان مرتفعة الدخل (%10.4) يليها البلدان المتوسطة (%9.5) ومنخفضة الدخل (%4) حسب تصنيفات البنك الدولي. علاوة على ذلك، فإن الانتشار الأعلى لمرض السكري هو في المناطق الحضرية (%10.8) منها في المناطق الريفية (%7.2)، على الرغم من أن هذه الفجوة تضيق بسبب التحضر من المناطق الريفية (IDF, 2019). تشير جميع البيانات إلى أن نسبة الإصابة بالمرض ستستمر في الزيادة بسبب سرعة التنمية الاقتصادية والتحضر، ونمط الحياة الخاملة للغاية، ولأنه لا تُتبع برامج وقائية وبرامج لمكافحة مرض السكري بشكل فاعل (Nanditha et al, 2016). كل هذا يتطلب تبني نهج متعدد الأطراف والقطاعات لمعالجة الوباء المتصاعد. 

علاجات غير دوائية لمرض السكري

على الرغم من الجهود العديدة المبذولة للسيطرة والحد من انتشار مرض السكري إلا أن معدلات الإصابة ومعدلات الوفيات المرتفعة تشكل تهديدًا خطيرًا يحتاج إلى معالجة حثيثة. مرض السكري هو وباء لا يمكن علاجه حتى الآن، لكن ممكن مكافحته بطرق مختلفة خاصة مرض السكري من النوع الثاني. قد يساعد تغيير نمط الحياة في تجنب الإصابة بداء السكري من النوع الثاني، وقد أثبتت الدراسات أن إجراء بعض التغييرات على نمط الحياة قد يحد من المضاعفات الصحية الخطيرة لمرض السكري. في برنامج الوقاية من مرض السكري (DPP) الذي أُطلق من المعاهد الوطنية الأميركية للصحة (NIH) في عام 1996، دُرس تأثير التغيير في نمط الحياة بتعديل النظام الغذائي وزيادة النشاط البدني على الأفراد المعرضين لخطر مرض السكري من النوع الثاني(DPP Research Group, 2002). أظهرت النتائج بعد 2.6 سنة من المتابعة أن التغييرات في نمط الحياة كانت فاعلة للغاية في تأخير أو حتى منع الإصابة بداء السكري بنسبة %58. كما كشفت الدراسة بعد 10 سنوات من المتابعة، أن المشاركين استطاعوا الحد من الإصابة بداء السكري بنسبة %34 تقريبًا بإدخال تغييرات في نمط الحياة. في دراسة أخرى تمولها المعاهد الوطنية للصحة أجريت على مرضى السكري من النوع الثاني، تحسن مخزون السكر وانخفضت الحاجة إلى الأدوية المضادة للسكري عند المجموعة التي أدخلت تغييرات في نمط الحياة مقارنة مع المجموعة التي تلقت رعاية معتادة وتثقيفًا بشأن مرض السكري (Espeland et al, 2007 & Wing et al, 2013). على الرغم من أن اتباع أنماط حياة صحية كإنقاص الوزن، وتناول الأطعمة الصحية، وممارسة التمارين الرياضية يساعد في السيطرة على داء السكري، إلا أنه في بعض الأحيان غير كاف، وقد يحتاج المريض أيضًا إلى تناول أدوية السكري للسيطرة على ارتفاع السكر في الدم، والحد من تطور المرض ومضاعفاته (Solis et al, 2019). 

شكل 1 : منحنى بياني يمثل إجمالي عدد البالغين، بالملايين المصابين بالسكري سنويًا من 2000 إلى 2019

علاجات دوائية لمرض السكري

هناك عدة أنواع من الأدوية المستخدمة في علاج مرض السكري من النوع الثاني. العلاج الأول للمرضى الذين يعانون من مرض السكري من النوع الثاني هو من مجموعة (Biguanide)، الميتفورمين(Metformin) الذي ووفق عليه من قبل إدارة الأغذية والعقاقير (FDA) في عام 1994 (Lipska, 2017). يعمل الميتفورمين على خفض مستوى السكر في الدم بتعزيز حساسية خلايا الجسم للأنسولين، وتقليل إنتاج الجلوكوز من الكبد كما تقليل امتصاص الغلوكوز من الطعام مما قد يساعد في إنقاص الوزن (Giannarelli et al, 2003). العلاج الثاني للمرضى الذين يعانون من مرض السكري من النوع الثاني هو السلفونيليوريا(Sulfonylureas) الذي يمكن أن يؤخذ خطَّ أولَ للعلاج الأحادي إذا كان المريض لا يعاني من زيادة الوزن أو إذا تعذر استخدام الميتفورمين. يمكن أيضًا أن يعطى مع الميتفورمين إذا كانت السيطرة على نسبة السكر في الدم غير كافية. يعمل السلفونيليوريا عن طريق تحفيز خلايا البنكرياس لإفراز الأنسولين كما أنه يعزز فاعلية الأنسولين في الجسم (Sola et al, 2015). (Glinides) هي فئة أخرى من الأدوية التي تُتناول بالفم لخفض سكر الدم ولها آلية مماثلة من العمل مثل السلفونيليوريا. لكن كلا العقارين قد يؤديان إلى هبوط مستوى السُّكَّر في الدَّم، ومن ثَمَّ حدوث مشكلات خطيرة (Tran et al, 2015 & Keegan 2018). مثبطات ألفا جلوكوزيداز، التي تُعرف أيضًا باسم حاصرات النشا (Acarbose, Miglitol, Voglibose) هي فئة أخرى من الأدوية المضادة لمرض السكري التي تثبط الإنزيمات المسؤولة عن تكسير الكربوهيدرات. هكذا، تقلل من امتصاصها وهضمها، ومن ثَمَّ الحد من ارتفاع السكر في الدم (Laar, 2008). بسبب التقدم في السن، وطبيعة مرض السكري، بعض المرضى قد يتطلبون العلاج بالأنسولين للحفاظ على مستويات مرضية من السكر في الدم. ومع ذلك، يعد نقص سكر الدم مرة أخرى من الآثار الجانبية الشائعة للعلاج بالأنسولين(Blonde et al, 2009). 

علاجات السكري البديلة: الخلايا الجذعية

على الرغم من توافر الأدوية الخافضة لسكر الدم والأنسولين، فإن هذه الأدوية لا تخلو من آثار جانبية كبيرة كما هو موضح أعلاه. لذلك، هناك حاجة ماسة لعلاجات آمنة غير تقليدية وفاعلة في محاربة مرض السكري كالعلاج القائم على الخلايا الجذعية؛ إذ يحمل العلاج بالخلايا الجذعية أملًا جديدًا للأشخاص الذين يعانون من مرض السكري. الخلايا الجذعية هي خلايا بدائية غير متخصصة وغير مكتملة الانقسام ولا تشبه أية خلية متخصصة، ولكنها قادرة على تكوين خلية بالغة تحت ظروف مناسبة، ولها خاصيتان:

  • التجديد الذاتي(Self-Renewal) ويعني أنها يمكن أن تنقسم وتنتج مزيدًا من الخلايا الجذعية من النوع نفسه.
  • التمايز (Differentiation) ويعني أن تصبح نوعًا آخر من الخلايا، وتأخذ وظيفتها المتخصصة مثل خلايا بيتا في البنكرياس.

الخلايا الجذعية الوسيطة (MSCs) هي خلايا جذعية بالغة، وقد سُلِّط الضوء عليها بسبب إمكاناتها العلاجية العالية لإصلاح الأنسجة. علاوة على ذلك، فهي وفيرة ويمكن عزلها بسهولة من الأنسجة المختلفة بما في ذلك نخاع العظام (Bone Marrow) والأنسجة الدهنية (Adipose Tissue) والحبل السري والمشيمة وغيرها (Orbay et al, 2012). قبل سبعة وعشرين عامًا، في عام 1995، أبلغ لازاروس وزملاؤه عن المرحلة السريرية الأولى لاستخدام الخلايا الجذعية الوسيطة المشتقة من نخاع العظام في الأشخاص المصابين بأورام الدم الخبيثة (Lazarus et al, 1995). منذ ذلك الحين، التجارب السريرية باستخدام الخلايا الجذعية الوسيطة ترتفع أضعافًا مضاعفة لعلاج عدد كبير من الأمراض بما في ذلك أمراض الدم، المناعة الذاتية، الكبد، أمراض الرئة والكلى. كما أثبتت الدراسات المنشورة أن الخلايا الجذعية الوسيطة بإمكانها أن تتمايز لخلايا بيتا المنتجة للأنسولين مما جعل هذه الخلايا علاجًا جديدًا محتملًا لمرض السكري (Zanini et al, 2011). هنا، سنقوم بمراجعة عدد من الدراسات السريرية المسجلة في (Clintrials.gov) التي أجريت لتقويم فاعلية وسلامة الخلايا الجذعية الوسيطة لعلاج كلا النوعين من مرض السكري. في مرض السكري من النوع الأول، الهدف السريري المهم هو الاحتفاظ بإفراز داخلي للأنسولين ومن ثَمَّ، تقليل مخاطر حدوث مضاعفات مثل نوبات نقص سكر الدم. وقد قام كارلسون وزملاؤه بأول دراسة سريرية لاستخدام الخلايا الجذعية الوسيطة للمرضى البالغين الذين شُخصت إصابتهم حديثًا بـمرض السكري من النوع الأول. الدراسة تحت التسجيل رقم (NCT01068951) تهدف إلى تقويم السلامة والتأثير العلاجي للـخلايا الجذعية الوسيطة في المرضى المصابين بـمرض السكري من النوع الأول (Carlsson et al, 2015). بعد متابعة مدة عام واحد، تحمل جميع المرضى العلاج مع عدم وجود تأثيرات سلبية ملحوظة. إلى جانب ذلك، حُوفظ على وظيفة خلايا بيتا.

ضعف خلايا بيتا في البنكرياس هو السمة المميزة في مرض السكري من النوع الثاني. على الرغم من العلاج الدوائي، هذه العملية لا رجوع فيها. لذلك، هناك حاجة لعلاجات بديلة لاستعادة وظيفة خلايا بيتا وتحسين نسبة السكر في الدم، مما يؤدي إلى منع حدوث مضاعفات مرض السكري. عديدٌ من الدراسات السريرية أظهرت نتائج واعدة باستخدام الخلايا الجذعية الوسيطة لعلاج المرضى الذين يعانون من مرض السكري من النوع الثاني. في دراسة سريرية (NCT01413035) أجراها كونغ وآخرون، حُقِن 18 مريضًا يعانون من السكري من النوع الثاني بالـخلايا الجذعية الوسيطة. بعد ستة أشهر، تحسن مستوى سكر الدم في المرضى بشكل فاعل من دون آثار جانبية ملحوظة (Kong et al, 2014). أظهرت دراسة أخرى (NCT01954147)، أن العلاج بالـخلايا الجذعية الوسيطة في مرضى السكري من النوع الثاني تُحسن وظيفة خلايا بيتا في المرضى الذين شُخصت إصابتهم منذ أكثر من 10 سنوات (Chen et al, 2016). كما هو موضح أعلاه، فإن معظم التجارب السريرية تشير إلى أن العلاج بالـخلايا الجذعية الوسيطة آمن فاعل نسبيًا لمرض السكري بنوعيه. ومع ذلك، فمن الجدير بالذكر أن الدراسات المذكورة أعلاه لها بعض القيود بما في ذلك حجم العينة الصغير والمدة القصيرة من العلاج. لذلك من الضروري تقويم سلامة، وفاعلية الخلايا الجذعية على المدى الطويل. علاوة على ذلك، قبل التطبيق السريري الواسع النطاق للخلايا الجذعية في علاج مرض السكري، لا تزال هناك عديدٌ من التحديات التي يجب التغلب عليها مثل المصدر الأنسب، الجرعة وطريقة الاستعمال. قضية مهمة أخرى هي تكلفة هذا العلاج وصعوبة توفير كميات كبيرة من الخلايا الجذعية للاستخدام الطبي. إن القدرة على عكس مرض السكري بإعطاء المرضى الخلايا التي يفتقرون إليها أمر يمكن مقارنته بالمعجزة التي حدثت عندما أتيح الأنسولين لمرضى السكري أول مرة منذ مئة عام. مع استمرار نسبة المصابين بمرض السكري وزيادتهم، فإن الأبحاث ما زالت قائمة لإيجاد التطبيق الفعلي الآمن لعلاج مرض السكري باستخدام الخلايا الجذعية.

Share This