دور الكيموكينات في
التنبؤ عن هشاشة العظام لدى الرجال
د. جليلة داودي – طب عام- جامعة باجي مختار عنابة- الجزائر
تُعرف هشاشة العظام، أو وهن العظام أيضًا بالمرض الصامت لعدم ظهور أعراض يمكن ملاحظتها إلا بعد حدوث الكسر في غالب الأحيان، ومن الأعراض المصاحبة لهشاشة العظام نجد آلامًا في المفاصل والظهر والكتفين، قصر القامة مع مرور الوقت، انحناء الجسم وسهولة كسور العظام عن المعدل المتوقع.
من هم المعرضون للإصابة بهشاشة العظام؟
تعتبر النساء أكثر عُرضة للإصابة بهذا المرض أربع مرات من الرجال، في حين أنَّ نقص الكتلة العظمية عند الرجال يكون %1 سنويًا بعد سن الثلاثين، بينما يرتفع خطر كسر العظام بعد سن الخمسين إلى -2 6 % عند النساء. تشير التقديرات إلى أن ما يقرب من 200 مليون شخص يعانون من هشاشة العظام في جميع أنحاء العالم؛ منهم حوالي 54 مليون شخص في الولايات المتحدة وحدها. يُعد كسر الورك الناجم عن مرض هشاشة العظام، مرض خطير حتى أنه أخطر من بعض السرطانات، وهي حالة خطيرة، لأن 20 – 30 % من الأشخاص الذين يصابون بكسر الورك يموتون خلال السنة الأولى من الكسر.
ما هي أسباب هشاشة العظام ومضاعفاته؟
تعاني حوالي 8 ملايين امرأة و2 مليون رجل في الولايات المتَّحدة من هشاشة العظام، ويوجد نمطان رئيسان من هشاشة العظام:
- هشاشة العظام الأوَّلية (primary osteoporosis)
- هشاشة العظام الثانوية (secondary osteoporosis)
تحدث هشاشة العظام الأوَّلية بشكلٍ تلقائي عند النساء بعد انقطاع الطمث، وعند الرجال المسنِّين. يُعدُّ عوزُ الأستروجين أحدَ الأسباب الرئيسة لهشاشة العظام، وخصوصًا عندَ حدوث انخفاضٍ سريع في مستواه بعد سن اليأس. تكون مستويات الأستروجين عند معظم الرجال، الذين تزيد أعمارهم على 50 عامًا، أعلى من مستوياته عند النساء بعدَ انقطاع الطمث، إلَّا أنَّ هذه المستويات تنخفض مع التقدّم بالعمر أيضًا؛ ويرتبط انخفاض مستويات الأستروجين مع الإصابة بهشاشة العظام عندَ الرجال والنساء على حدٍّ سواء. يؤدي نقص هرمون الأستروجين إلى زيادة تلف العظام، فضلاً عن نقص الكثافة العظميَّة سريعًا، الذي يكون أكبر إذا كان مدخول الكالسيوم منخفضًا أو كانت مستويات فيتامين د منخفضة. أما هشاشة العظام الثانويَّة، فتنجم عن اضطراب آخر أو عن استعمال أحد الأدوية.


المضاعفات:
تُعد كسور العظام، وخصوصًا في العمود الفقري أو الورك، أكثر المضاعفات خطورة لهَشاشة العظام، حيث يحدث كسر عظمة الورك عادةً بسبب السقوط، ويمكن أن يؤدي إلى حدوث إعاقة، بل وتزايد خطر الوفاة خلال العام الأول بعد الإصابة. في بعض الحالات، يمكن أن تحدث كسور العمود الفقري حتى وإن لم يتعرض الشخص للسقوط، وربما تضعف العظام التي تشكل العمود الفقري (الفقرات) إلى درجة الانكماش، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى الشعور بألم في الظهر، ونقص الطول، وتقوس العمود الفقري إلى الأمام. تحدث هشاشة العظام عندما تتكاثر الخلايا الآكلة للعظام – الخلايا المسؤولة عن انهيار العظام – بشكل أسرع، مما يؤدي إلى زيادة هشاشة العظام وخطر الإصابة بالكسور.


حقوق الصورة: Quang Tien Phan
اتضح في دراسة سابقة أن الكيموكين (9 CXCL) الذي تنتجه بانيات العظم، يعزز تمايز أسلاف ناقضات العظم مع الارتشاف الناتج. شملت الدراسة 55 رجلًا و119 امرأة تعرضوا لكسر في الفخذ بمعدل 6.3 سنوات جُمعت عينات دم منهم، للمطابقة بينهم فرديًا مع المشاركين الذين لم يصابوا بكسور في الورك. تورط اثنان من الكيميائيات، (CXCL9) و(CXCL10) في مسارات مختلفة لتعديل مناعة العظام، ويشتركان في مستقبل، (CXCL3)، لتحفيز هجرة الخلايا من ناقضات العظم. ومن ثم قام الفريق بتقييم ما إذا كانت مستويات الكيموكينات في الدم، (CXCL9) و(CXCL10)، مرتفعة في عينات مصل الإنسان لكبار السن الذين تعرضوا لكسور الورك، وما إذا كان هذان المستقبلان من الكيموكينات مرتبطين بخطر كسر الورك. تتجمع سلائف ناقضات العظم غير الناضجة (زرقاء إلى أرجوانية اعتمادًا على حالة النضج) في العظم المصاب بالهشاشة، وتنضج لتصبح ناقضات العظم الممتصة للعظام (خضراء). يعمل (CXCL9) على توظيف وتمايز ناقضات العظم التي تنتجها بانيات العظم.

لاحظ المحققون ارتفاع مستويات الدم من (CXCL9) في عينات الدم قبل الكسر لدى الرجال الذين يعانون من كسور الورك اللاحقة، مقارنةً مع الضوابط غير المكسورة، وأظهر تحليلهم أن المصل (CXCL9) حسّن من التنبؤ بكسر الورك عند الرجال. في المقابل، لم يكن هناك مثل هذا الاختلاف في مستويات مصل (CXCL9) بين حالات كسر الورك والضوابط غير الكسر بين النساء.
بشكل عام، اقترحت البيانات المجموعة من هذه الدراسة أنه يمكن استخدام (CXCL9) كمؤشر لمخاطر كسر الورك لدى الرجال الأكبر سنًا، وأتاحت إمكانية أن تكون التدخلات المبكرة التي تستهدف إشارات (CXCL9)، أو (CXCL9-CXCR3) مفيدة في منع كسور الورك لدى الرجال الأكبر سنًا. وخلاصة القول، تشير النتائج إلى أن هذين الكيميائيين قد يكون لهما تأثيرات مختلفة على فسيولوجيا العظام البشرية لدى كلٍ من الرجال والنساء، ولكن يجب تأكيد هذه النتائج في الدراسات المستقبلية مع أحجام عينات أكبر. يمكن تفسير الاختلاف غير المتوقع في النتائج بين الرجال والنساء في هذه الدراسة من خلال فهم كيفية تأثير التغيرات في مستويات الهرمونات الجنسية أثناء الشيخوخة على مستوى وتأثيرات (CXCL9) بشكلٍ مختلف في الرجال والنساء الأكبر سنًا. كما تشير هذه النتائج إلى أن التدخلات المبكرة التي تستهدف إشارات (CXCL9)، أو (CXCL9-CXCR3) يمكن أن تكون مفيدة في منع كسور الورك لدى كبار السن من الرجال. وبهذا نستنتج أن تحليل هذه الكيميائيات، (CXCL9) و(CXCL10) له أهمية كبيرة في كشف هشاشة العظام ومن ثم الوقاية من كسر الورك والفقرات.
كما أن الوقاية من هشاشة العظام أكثر فائدةً من العلاج بشكلٍ عام، لأنَّ منع حدوث نَقص في كَثافَة العِظام أسهل من استعادة الكثافة المفقودة، وتنطوي الوقاية من هشاشة العظام على الإقلاع عن التدخين وتجنب الإفراط في تناول الكحول والكافيين، فضلاً عن تناول كميَّات كافية من الكالسيوم وفيتامين D، والانخراط في تمارين مثل المشي أو صعود السلالم أو تدريب الأثقال.