دور تقنية النانو

في إلكترونيات الجيل القادم

د. عبدالرحمن بن محمد البدري‭ – ‬هندسة كهربائية – مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم و التقنية

أمسى الأثر البارز لصناعة الإلكترونيات في القفزة الحضارية المشاهدة في العالم في العقود القريبة الماضية لا يخفى على أحد، فمنذ تصنيع أول ترانزستور ثنائي القطب في عام 1947، إضافةً إلى الترانزستور ذي التأثير المجالي في أواخر الخمسينيات أصبح الباب مفتوحًا للتطور التقني في شتى المجالات، فصناعة الوحدات المتكاملة الإلكترونية المعتمدة على الترانزستورات تمثل النواة الأساسية للأجهزة التقنية، مثل الحاسبات الآلية، وأجهزة الهاتف النقال، فضلًا عن الأجهزة الطبية، وأجهزة الاتصالات والمعلومات وغيرها من التطبيقات. ولتوضيح التطور الهائل في مجال الحاسب الآلي على سبيل المثال، فأول ذاكرة بيانات أُنتجت قبل خمسين سنة عن طريق شركة أي بي أم (MBI) بسعة 5 ميجابايت، وتزن حوالي الطن، وبحجم الثلاجة، وفي المقابل فإنَّ أصغر ذاكرة بيانات في الوقت الحاضر أنتجتها شركة سامسونج، وتبلغ سعتها 16 تيرابايت، وبحجم 2 إنش فقط، هذا التطور في مجال الإلكترونيات والحاسبات بصفة خاصة يعتمد بشكل رئيس على التطور في صناعة الترانزستورات، وبالذات المعتمدة في صناعتها على مادة السيليكون، فهذه المادة تفوَّقت على نظيراتها من مواد أشباه الموصلات لما تتمتع به من مزايا عديدة، ومن أهمها تقارُب سرعة انتقال الإلكترونات والفجوات، وهذا ما يساعد في إنتاج ما يسمَّى بالترانزستور التكاملي الذي يحتوي على ترانزستور يحمل شحنة موجبة، وترانزستور يحمل شحنة سالبة، وهو ما يستخدم في النظام الرقمي (صفر وواحد)، إضافةً إلى ميزات أخرى، مثل سهولة الحصول على أكسيد سيليكون قوي للاستخدام كعازل، وأخيرًا وليس آخرًا، فإنَّ السيليكون يعدُّ من أكثر المواد توفّرًا في الطبيعة. وبالعودة إلى صناعة الإلكترونيات فإنَّ عدد الترانزستورات في الشريحة الإلكترونية ما هو إلا انعكاس لمقدار البيانات التي يمكن تخزينها، إضافةً إلى زيادة سرعة نقل البيانات، وتقليل مقدار الطاقة المستهلكة. ففي عام 1960 كان حجم الترانستور أو ما يعبَّر عنه بالمسافة التي تعبرها الإلكترونات من جانب إلى آخر في الترانستور تقريبًا 12 مايكرومترًا، ولذلك سُمِّيت الأجهزة الإلكترونية بالمايكرو إلكترونيك. ووفقًا لقانون مور فإنَّ عدد الترانزستورات في الشريحة الإلكترونية الواحدة يتضاعف كل سنتين تقريبًا، ولايزال هذا القانون ساريًا إلى وقتنا الحاضر، واعتمادًا عليه تضع شركات الإلكترونيات الكبرى خططها المستقبلية في تصنيع الدوائر الإلكترونية.

دخلت صناعة الشرائح الإلكترونية في عام 1989 منعطفًا جديدًا بوصول حجم الترانزستور إلى النانومتر بدءًا من تقنية 90 نانومترًا، مرورًا بـ 65 و45 و22 نانومترًا، ووصولًا إلى 5 نانومترات فقط، وذلك بالاعتماد على مادة السيليكون كمادة رئيسة للتصنيع. ولكن هناك تحدٍّ كبير للحصول على ترانزستورات بحجم أقل من 5 نانومترات باستخدام مادة السيليكون حيث يعتقد العلماء أنَّ السيلكون وصل إلى أقصى حدٍّ له، لذلك قامت المراكز البحثية العالمية بإيجاد بدائل لمادة السيليكون بحيث يمكن للشركات المصنعة الكبرى متابعة قانون مور. وتعد مادة الكربون النانوية أحد أهم البدائل التي يمكن من خلالها تصنيع ترانزستورات بحجم أقل من 5 نانومترات. ولقد أعلنت شركة أنتل بالتعاون مع شركة أي بي أم مؤخرًا عن تطوير ترانزستور بحجم 2 نانومتر باستخدام تقنية أنابيب الكربون النانوية. ومن المهم معرفته أنه كلما قلَّ حجم المواد إلى مدى النانومتر فإنَّ خصائص المادة تتغير وفقًا لميكانيكا الكم وما يصاحبها من تغيرات فيزيائية وكيمائية. فالخواص الفيزيائية للترانزستور، على سبيل المثال، تتغير كلما قلَّت المسافة بين أجزاء الترانزستور، وهذا ما يصعب التحكّم في حالة التشغيل والإيقاف، وأيضا يسبب زيادة في التيار المتسرب في حالة الإيقاف. وهذه الصعوبات تم التغلُّب عليها بتطوير تقنيات جديدة وفعَّالة. وتكمن أهم هذه التقنيات في استخدام تقنيه النانو في بناء الترانزستورات من أسفل إلى أعلى بدلًا مما هو متعارف عليه من الأعلى إلى الأسفل، التي تتم عن طريق تقنيات الطباعة والحفر. 

Share This