صناعة المستقبل
أ. نوف العويدي جائزة الملك فيصل
هل للتقنية الحيوية مستقبل؟ يتردد علينا هذا التساؤل كثيرًا بسبب ما نجهله عن علم الأحياء والتطور التكنولوجي. إن التقدم السريع في عصرنا الحالي في تقنيات عديدة وجديدة في مجالات متعددة ضمن القطاع الزراعي والصحي والحيواني يدفع التقنية الحيوية لتكون أداة البقاء في المستقبل، بسبب الحاجة المتزايدة إلى تقنيات جديدة لتحسين جودة الحياة وحل كثير من المشكلات المعقدة. ويُراهن المجتمع العلمي أن هذا التقدم في العلوم الحيوية يحمل معه وعودًا هائلة للإنسانية.
تعتمد التقنية الحيويّة على تطبيقات التقنية الحديثة في معالجة الكائنات الحية لتحسين صِحتنا وحياتنا، وتُعد الخلية باعتبارها وحدة الكائنات الحية أهم أداة يستخدمها الباحثون في التقنية الحيوية. قادت بحوث البروفيسور ألكسندر فارشفسكي (Alexander Varshavsky)، الفائز بجائزة الملك فيصل 2012، إلى إدراك آلية العمل ضمن الخلية التي بموجبها يتم تحديد البروتين المختار للهدم أو التفكيك السريع، واكتشف أن عددًا كبيرًا من الوظائف اليومية للخلية يَتمُّ تنظيمها بواسطة بروتين صغير يُسمَّي (Ubiquitn) يوجد في خلايا جميع الكائنات حقيقية النواة، وينظم كافة أعباء الخلية في الصحة والمرض. وتَطوَّرت تلك الدراسات، واتَّسعت، وتَنوَّعت، وفتحت آفاقًا عديدة في مجالات مختلفة من علوم الحياة وفي البحوث الطبية، خاصة بحوث السرطان والشيخوخة وأمراض الأعصاب والمناعة والأمراض المستعصية الأخرى. ولما كانت الجينات مسؤولة عن الصفات التي ينفرد بها أي مخلوق نباتي أو حيواني عن غيره من المخلوقات، فقد أصبحت محل اهتمام الباحثين في التقنية الحيوية، مثل معالجة الجينات ونقلها وتغيير الشفرة الوراثية، واستنساخ النباتات والحيوانات. وقد بدأ البروفيسور روبرت وليمسن(Robert B. Wilson)، الفائز بجائزة الملك فيصل 1994، بحوثه في الوراثة الجزيئية منذ أكثر من ثلاثين عامًا، وقام بالعديد من الدراسات الرائدة، ومنها هندسة المورِّثات المسؤولة عن إنتاج الجلوبينات البشرية، واكتشاف الأسس الوراثية لمرض (Duchenn) (الحثل العضلي)، وإعداد خرائط الحمض النووي لعدد من الأمراض الوراثية، وإجراء دراسات وراثية مفصّلة لمرض “التليّف الكيسي”، و الثلاسيميا، ممَّا مهَّد الطريق لإيجاد العلاج بالمورِّثات لعدِّة أمراض منها أمراض صبغة الدم الورَاثيَّة، والأمراض المرتبطة بالوراثة الجنسيَّة، وفرط دهن الدم، والتليُّف الحوصَلي، ومرض الزهايمر.
وقد سَاعَدت دراساته إلى التوصُّل إلى فهم أفضل للمكوِّنات الورَاثيَّة وتشخيص الأمراض الورَاثيَّة في الجنين. وتَمكَّن عن طريق شبكة منظمة الصحة العالميَّة، من نشر هذه الخدمات حيثُ أصبح المسح الصِّحي حقيقة واقعة، خاصَّة لمرض التليُّف الحوصلي قد يكون للتقنية الحيوية دورٌ مهمٌ في المستقبل، لكن التوصل إلى نتيجة مُثلى تحتاج إلى حقائق تعزز معرفتنا بها. ومع تزايد الحديث عن تبعات هذه التقنية تزداد الحاجة لبيان آثارها، لأن الدراسات العلمية لم تطلق كلمتها الأخيرة في عُمق الاكتشافات المتوقعة للتقنية الحيوية (وبالأخص الهندسة الوراثية). ومع ذلك فمن الضروري تكثيف الأبحاث لتحقيق الاستفادة القُصوى من الإمكانيات الهائلة التي تتيحها التقنيات الحيويّة ضمن التشريعات النظامية.

البروفيسور روبرت وليمسن

البروفيسور ألكسندر فارشفسكي


