طرق تعقيم المياه

والعوامل المؤثرة فيها

د. عبدالله إبراهيم الخضيري هندسة كيميائية – مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم التقنية – السعودية

تعد مشكلة شح المياه النظيفة الصالحة للشرب من المشكلات المُلحة خصوصًا في البلدان الفقيرة أو النامية، حيث يتسبب شرب المياه الملوثة بحدوث أمراض مثل الكوليرا والتيفوئيد. الأطفال، كبار السن والأشخاص الذين يعانون من ضعف جهاز المناعة من أكثر الفئات عرضة للموت جراء شرب المياه غير النظيفة. تعرف عملية التعقيم (تطهير المياه) بأنها العملية التي بها تقتل الجراثيم والأحياء الدقيقة والفيروسات المسببة للأمراض الموجودة بالمياه. المحافظة على درجة آمنة من التعقيم في أثناء عملية ضخ وتوزيع المياه إلى الحاويات/ الخزانات، التي يُتوقع أن تبقى المياه فيها عدة أيام، قبل أن تصل إلى الإنسان أمر في غاية الأهمية. ومن الجدير بالذكر أنه يُوصى باستخدام عمليات التعقيم في حمامات السباحة لمنع انتقال الجراثيم والكائنات الحية المسببة للأمراض لمرتادي المسابح. 

العوامل المؤثرة في عملية التعقيم

توجد عدة عوامل يجب أخذها بعين الاعتبار في أثناء عملية التعقيم التي تؤثر بشكل مباشر في جودة عمليات التعقيم وفاعليتها ويمكن إيجازها في التالي:

جودة المياه:

يعد هذا العامل من أهم العوامل المؤثرة في جودة التعقيم. درجة العكارة ودرجة الحموضة (pH) للماء وكذلك مستوى المواد العضوية الطبيعية الذائبة في الماء (NOM)، توجد بمستوى مرتفع في المياه السطحية، أهم المعايير التي تُقدر بها جودة المياه في أثناء عملية التعقيم. ارتفاع مستوى عكارة المياه يتطلب استخدام كميات أكبر من المادة المطهرة؛ لأن العكارة قد تحمي الكائنات الدقيقة وتعرقل عمل التعقيم. تلعب درجة حموضة الماء أيضًا دورًا مهمًا في جودة عملية التعقيم فقد تقل فاعلية المادة المطهرة بتغير درجة الحموضة. 

نوع المادة المطهرة وتركيزها:

تختلف المواد المطهرة من حيث التأثير في الجراثيم والكائنات الحية المسببة للأمراض؛ فبعض المعقمات تأثيرها أضعف من الآخر. أيضًا، كلما زاد تركيز المادة المطهرة، كان التطهير أقوى وأسرع (مع الأخذ بعين الاعتبار النسبة القصوى للاستخدام بحيث لا تؤثر على سلامة الإنسان). وتجدر الإشارة إلى أن بعض المواد المطهرة تتفاعل بسرعة أكبر من الأخرى. من الجدير بالذكر هنا أن درجة حرارة الماء ونوع الكائنات الدقيقة الموجود في الماء من العوامل المهمة التي تؤخذ بعين الاعتبار، فبعض الأحياء الدقيقة يستطيع تحمل مواد التطهير بتراكيز أكبر من غيرها. يمكن تقسيم طرق تعقيم المياه إلى قسمين: كيميائية وفيزيائية، وفيما يلي شرح يسير لكل طريقة:

تعقيم المياه بالمواد الكيميائية

تستخدم عدة مواد كيميائية لتعقيم المياه وسنتطرق لأكثر الطرق شهرة في عملية التعقيم بشيء من الاختصار:

الكلورة

يطلق على استخدام الكلور في عملية تعقيم مياه الشرب اسم الكلورة وهي طريقة مطبقة من السبعينيات الميلادية وحتى يومنا هذا فقد أثبتت فاعلية عالية في قتل الجراثيم والأحياء الدقيقة المسببة للأمراض وتمتاز برخص ثمنها. يتفاعل الكلور بسرعة مع الماء لتكوين حمض هيبوكلوروس(HOCl)، الذي يتفكك بسرعة ليعطي أيونات هيبوكلوريت (OCl-). يعرف هيبوكلوروس وأيونات هيبوكلوريت بالكلور الحر ويعد حمض هيبوكلوروس أكثر فاعلية من أيونات هيبوكلوريت في عملية التعقيم . لذلك تلعب درجة حموضة الماء دورًا مهمًا في تحديد تركيزهما، فكلما زادت درجة الحموضة زادت عملية تفكك هيبوكلوروس إلى أيونات هيبوكلوريت. تحدد جودة المياه تركيز الكلور المضاف والوقت اللازم لقتل البكتيريا والأحياء الدقيقة الموجودة بالماء ويكون تركيز الكلور الحر ما بين 0.2-0.4 جزء في المليون. من الجدير بالذكر أن الكلور الحر الموجود بالماء سيتحلل إذا تعرض لأشعة الشمس أو الغلاف الجوي. لذلك يجب أن يضاف الكلور كل 24-48 ساعة. يعاب على استخدام الكلور في عملية التعقيم خصوصًا في وجود مواد عضوية ذائبة في الماء تكون مواد ثانوية (DBPs) في أثناء عملية التعقيم والتي لها تأثير سلبي في صحة الإنسان مثل مركبات (Trihalomethane “THM”)؛ لذلك يوصى باستخدام مرشحات، مثل المرشحات الكربونية او الرملية، لإزالة المواد العضوية الذائبة في الماء قبل عملية الكلورة.

هيبوكلوريت الصوديوم NaOCl / هيبوكلوريت الكالسيوم Ca(OCl)2

تعد مركبات الهيبوكلوريت الصوديوم / الكالسيوم من مركبات الكلور وهي تدخل في تركيبة المبيضات التجارية ومحاليل التنظيف والمطهرات التي تستخدم في مياه الشرب وأنظمة تنقية مياه الصرف وأحواض السباحة. والمقصود هنا من مصطلح التبييض هو الاسم العام لأي منتج كيميائي يستخدم صناعيًا أو محليًا لإزالة الأوساخ والبقع أو الألوان التي على القماش أو المنسوجات. تعد أيونات هيبوكلوريت العنصر الفاعل في عملية التعقيم عند استخدام تلك المواد. يستخدم هيبوكلوريت الصوديوم بشكل عام مذابًا في الماء بتركيزات مختلفة، 6-5%، كمبيض ومعقم منزلي، أما هيبوكلوريت الكالسيوم، مادة صلبة جافة بيضاء تحتوي على ما يقرب من35-30 % كلور، فتستخدم بشكل أساس في تعقيم المسابح وبعض التطبيقات الصناعية مثل تبييض الورق والمنسوجات.

 الأوزون (O3)

بدأ استخدام الأوزون مطهرًا في أوائل عام 1906. يعد الأوزون مادة مؤكسدة قوية وله عديد من التطبيقات الصناعية حيث يستخدم في عمليات تعقيم اللحوم والدواجن والمواد الغذائية الأخرى وكذلك يعد أيضًا عامل مطهر مضادًا للميكروبات والبكتيريا في تعقيم المياه، المياه المعبأة على سبيل المثال. الأوزون هو أحد أقوى المواد المؤكسدة والمطهرة المتوافرة في الوقت الحاضر وأكثر فاعلية من الكلور لقتل الجراثيم والبكتيريا. يعاب على تقنية استخدام الأوزون تكون البرومات (مادة مسرطنه) مادةً ثانوية من تفاعل الأوزون مع المواد العضوية الطبيعية وأيونات البروميد الموجودة في الماء (Ozonation By-Products) حيث يجب ألا يزيد تركيزها عن 10 ميكروغرام / لتر في مياه الشرب. يوجد عديدٌ من المطهرات الكيميائية المختلفة التي تستخدم أيضًا في عملية تعقيم المياه مثل ثاني أكسيد الكلور) (ClO2، بيروكسيد الهيدروجين (H2O2) واليود (Iodine) .

تعقيم المياه بالطرق الفيزيائية

 غلي الماء

يعد غلي الماء من أقدم طرق تعقيم المياه ومن أكثرها فاعلية إذا توافرت مصادر رخيصة للطاقة مثل الحطب حيث يُدمر الغشاء الخلوي للجراثيم والأحياء الدقيقة الموجودة بالماء. غلي الماء مدة 3 دقائق كفيل بقتل الجراثيم والميكروبات جميعها الموجودة بالماء. يصنف غلي الماء على أنه طريقة فاعلة خصوصًا إذا كانت الكميات قليلة أو غير معروفة المصدر بغض النظر عن درجة العكارة ويعاب على هذه الطريقة أنها مناسبة للكميات القليلة من المياه فقط.

الأشعة فوق البنفسجية (UV)

يُعرف الضوء فوق البنفسجي في نطاق UV-C (200-280 نانومتر) باسم الأشعة فوق البنفسجية القاتلة للجراثيم ويستخدم على نطاق واسع في تعقيم المعدات وخلق بيئات مُعقمة، وكذلك في صناعة الأغذية والمياه لقتل الكائنات الحية الدقيقة. في مجال التعقيم المياه بالأشعة فوق البنفسجية، تستخدم الأشعة فوق البنفسجية ذات الطول الموجي 253.7 نانومتر لقتل الجراثيم والبكتيريا، حيث تعد من أكثر الطرق أمانًا وفاعلة من حيث التكلفة. وهي سهلة التشغيل والصيانة ولا ينتج عن استخدامها نواتج ثانوية ضارة بالإنسان، على عكس الكلور والأوزون، هذا من أبرز مميزات استخدام الأشعة فوق البنفسجية لتعقيم المياه. من جهة أخرى، تحتاج المياه المُعقمة بالأشعة فوق البنفسجية إلى تعقيم ثانوي أثناء عملية التوزيع، شبكات المياه، للحفاظ عليها من التلوث. من الجدير بالذكر أن كفاية التعقيم بالأشعة فوق البنفسجية تعتمد بشكل كبير على جودة المياه؛ لذلك تعد خيارًا غير مناسب لتعقيم للمياه ذات العكارة العالية. أيضًا، يجب حساب معدل تدفق الماء عند التعقيم؛ لأن التدفق العالي للماء في المجرى قد ينتج عنه عدم التعرض للأشعة بشكل كافٍ مما يقلل من فاعليتها في قتل الجراثيم والبكتيريا.

ختامًا، انتشرت مؤخرًا طرق عديدة لتعقيم المياه وقتل الجراثيم والأحياء الدقيقة المسببة للأمراض. فالتعقيم يساعد على توفير مياه صالحة للشرب أو الاستخدام. تؤدي جودة الماء قبل التعقيم دورًا حيويًا في تحديد الطريقة المناسبة للتعقيم. تعد الكلورة من أشهر الطرق للتعقيم وأرخصها، التعقيم بالأوزون أكثر فاعلية ولكن يحتاج إلى دراية كبيرة عند استخدامه. كلتا الطريقتين ينتج عن استخدامهما نواتج ثانوية ضارة بالإنسان مما يجعل استخدام الأشعة فوق البنفسجية لتعقيم المياه أمرًا جيدًا، بشكل عام، ولكن لابد من احتساب معدل تدفق الماء في المجرى لتكون عملية التعقيم فاعلة.

Share This