عيون في السماء

Richard A. Lovett – COSMOS – 17/04/2020

في وقت مبكر من الربيع الماضي، أطلقت شركة سبيس إكس «كوكبة» من 60 قمرًا صناعيًا من ستارلنك، وهو بداية برنامج سيضع ما يقرب من 1800 قمر صناعي جديد في المدار بحلول نهاية عام 2020، على أن يتبعه ما يصل إلى 40000. في الأيام التي أعقبت الإطلاق، انتشرت الأقمار الصناعية في سلسلة من النقاط الساطعة تتحرك في ترادف في أنحاء السماء. يقول كريس جونسون (Chris Johnson)، مستشار قانون الفضاء في مؤسسة العالم الآمن، المكرسة لتعزيز الاستخدامات المستدامة للفضاء الخارجي: «لقد بدت سريالية تمامًا. اعتقد الناس أنه كان غزوًا فضائيًا أو عملية إطلاق صاروخ.»

كما كانت أيضًا صيحة يقظة بشأن السحابة المتزايدة من الأقمار الصناعية التي تراقب كل تحركاتنا. هذا لا يعني أن معظم هذه الأقمار الصناعية مصممة خصيصًا للتجسس علينا. يهدف برنامج ستارلنك إلى توفير خدمة الإنترنت الفضائية لكوكب الأرض بأكمله، وبالتالي إنهاء الفجوة بين «مالكي» الإنترنت و«محروميه» وتعزيز مستقبل أكثر تكافؤًا للفرص. توفر الأقمار الصناعية الأخرى الاتصالات وإشارات (GPS) التي نستخدمها بشكل روتيني عندما نطلب من سياراتنا أو هواتفنا تزويدنا بالاتجاهات. تلعب الكاميرات وأجهزة الاستشعار الفضائية الأخرى الخاصة بدراسة الأرض أيضًا أدوارًا مهمة في التأكد من أن الجوانب الأخرى للحياة الحديثة تعمل بسلاسة: «كل شيء من مراقبة الطقس إلى تتبع السفن في البحر»، كما يقول جونسون. يمكنها أيضًا المساعدة في درء مخاطر الصحة العامة، باكتشاف الأماكن التي تكون فيها الظروف مهيأة لانتشار البعوض، أو انتشار فيروس غرب النيل، أو الملاريا، أو فيروس زيكا، أو حمى شيكونغونيا، على سبيل المثال، أو بمساعدة المستجيبين المباشرين للطوارئ بعد زلزال أو إعصار. 

وفقًا لجونسون، من الممكن حتى تتبع عدد السيارات في ساحات وقوف السيارات أمام المتاجر، مثل «جميع متاجر وول مارت في أمريكا»، لاستخدام ذلك لمعرفة ما إذا كانت التجارة في ازدياد أو تراجع، وهذه معلومات ذات قيمة ليس فقط بالنسبة إلى الشركة، ولكن للمستثمرين الذين يحاولون اتخاذ قرار فيما إذا كانوا سيشترون أسهمًا فيها. بالمجمل، يقول كيفن بومفريت (Kevin Pomfret)، محلل صور الأقمار الصناعية السابق الذي تحول إلى محامٍ في قانون الفضاء لدى شركة ويليامز مولينز، في تايسونز، فيرجينيا، إن هناك «مجموعة» من الطرق التي يمكن بها استخدام معلومات الأقمار الصناعية، «التي لا يدركها الناس لأنهم وراء الكواليس.» لقد أدركت شخصيًا أول مرة قوة هذه المعلومات منذ بضع سنوات، عندما تساءلت عما إذا كان مسار سباق الطرق المحلي لمسافة خمسة كيلومترات دقيقًا. (في أوقات فراغي، أنا مدرب، وكان أحد العدائين قد ركض وقتًا بدا أسرع من أن يكون منطقيًا). كان السباق بسيطًا ذهابًا وإيابًا، وعرفت من أين بدأ وأن نقطة الالتفاف كانت عند صندوق بريد، بالقرب من ممر بيت ريفي. اكتشفت أن صور الأقمار الصناعية كانت جيدة بما يكفي بحيث لم أتمكن من العثور على البيت الريفي فحسب، بل ورؤية صندوق البريد. بناءً على ذلك، استخدمت تطبيقًا على الإنترنت سمح لي أن أضع صورة القمر الصناعي والنقر بالماوس على الطريق لقياس مساره، ووجدت أنه أقصر بنحو 300 متر.

بدافع الفضول، اختبرت قدرات التطبيق في القياس على ملعب كرة قدم جامعي ومضمار محلي. اختلف قياس المضمار بنحو نصف متر عن المسافة الصحيحة؛ هذا مثير للإعجاب؛ لأنه لم يكن من السهل قياسه حول المنحنيات. لكن المذهل كان ملعب كرة القدم. يبلغ طول ملاعب كرة القدم الأمريكية 100 ياردة. وحصلت على 100.1 ياردة، معتمد في الغالب على قدرتي في تحديد موقع المؤشر. أدركت أنني اكتشفت أداة قياس دقيقة للغاية، استخدمتها منذ ذلك الحين عدة مرات. ولكن الأهم من ذلك، أنها كانت سبب إدراكي شخصيًا لقوة تقنيات المراقبة المعتمدة على الأقمار الصناعية، وعدد الاستخدامات المحتملة لها. يقول جونسون: «إنه كل ما يمكنك تخيله. لا تزال كثير من الشركات تحاول تخيل الأشياء الأخرى التي يمكننا استخدام الصور فيها.» بشكل عام، كما يقول، «يحاول الناس استيعاب كيفية تغيير هذا لكل شيء في مجتمعنا.» أحد التغييرات، بالطبع، هو أنه من الممكن الآن لأي شخص أن ينظر إلى أي شيء تقريبًا في العالم.

هذا شيء جيد من بعض النواحي. من مدة ليست ببعيدة، كان من السهل على الحكومات إخفاء الأنشطة السرية بتنفيذها في مناطق نائية، بعيدًا عن الجواسيس. الآن، يمكن حتى للمواطنين العاديين اكتشاف مثل هذه الأنشطة من الفضاء، كما حدث في عام 2018، عندما استخدمت مجموعة متنوعة من الأشخاص والمنظمات، ومن بينها معهد السياسة الإستراتيجية الأسترالي في كانبرا، (Google Earth) والمصادر ذات الصلة لإثبات أن «المدارس المهنية» للمسلمين الأويغور في الصين كانت في الواقع معسكرات اعتقال، مليئة بأبراج المراقبة والجدران المسلحة والأسلاك الشائكة. ولكن هذا يعني أيضًا أنه يمكنك النظر إلى الفناء الخلفي لمنزل جارك أو معرفة ما إذا كانت سيارته في المنزل عندما حلّق القمر الصناعي فوقه. الصور جيدة بما يكفي لدرجة أنه عندما أجربها في الحي الذي أعيش فيه، يمكنني رؤية كراسي حمامات السباحة منتشرة حول المسابح في المباني السكنية، ويمكنني إحصاء عدد الأشخاص المنتظرين في محطة حافلات قريبة، وحتى تمييز السيارات عن الشاحنات والشاحنات الصغيرة والحافلات بسهولة. ما لا يمكنني فعله هو قراءة لوحات السيارات، أو تمييز الأفراد، أو تحديد الحافلة التي استقلها الأشخاص في محطة الحافلات في النهاية. يرجع ذلك جزئيًا إلى أنه حتى أفضل صور الأقمار الصناعية المتاحة تجاريًا لا تمتلك نوع الدقة المطلوبة للقيام بذلك. مهما كان ما قد تراه في أفلام الخيال العلمي، وبغض النظر عن أي شيء قد يصبح متاحًا للجيش، «لن يكون لدينا قارئات للوحات السيارات في الفضاء في المستقبل القريب.» كما يقول بومفريت.

علاوة على كل هذا، حتى أفضل الصور هي عبارة عن مجرد لقطات، معزولة في المكان والزمان. ومع ذلك، من الممكن مقارنة الصور الملتقطة في أوقات منفصلة. تقوم شركة بلانيت لاب، وهي شركة لتصوير الأرض ومقرها سان فرانسيسكو، كاليفورنيا، بتشغيل كوكبة من الأقمار الصناعية المخصصة لالتقاط صور لسطح الأرض بالكامل مرتين يوميًا على الأقل بدقة تصل إلى 72 سم/ بكسل. بناءً على ذلك، استخدمت بلانيت صورًا لمدينة ووهان الصينية، بؤرة وباء فيروس كورونا، لإظهار أنه بحلول أواخر يناير، أصبحت المدينة «شبه خالية من السيارات والأفراد» استجابةً لجهود الصين لفرض الحجر الصحي على الفيروس سريع الانتشار. قالت الشركة في بيان صحفي صدر في 30 يناير: «تُظهر صورة جسر عبر نهر اليانغتسي في 28 يناير أنه مهجور من المركبات»، وهو تغيير جذري عن الصورة المأخوذة في 12 يناير التي تظهر «تدفقًا» في المركبات التي «غمرت» الجسر ذاته. ولكن على الرغم من أن هذا مثير للإعجاب، فهو يختلف عن تتبع الأفراد. كما من غير المحتمل أن تشكل صور الأقمار الصناعية خطرًا كبيرًا على هذا النوع من الخصوصية؛ لأنه حتى لو أصبحت التكنولوجيا متاحة للتعرف على الأفراد من الفضاء، أو لقراءة لوحات السيارات، فمن غير المرجح أن تكون الأقمار الصناعية أسهل طريقة للقيام بذلك. هناك عدد من المنصات الأخرى التي تجمع معلومات عن الأفراد، سواء في السماء، مثل الطائرات بدون طيار، أو على الأرض، كاميرات دارات التلفزة المغلقة، أو أجهزة قراءة لوحات الترخيص، أو حتى كاميرات جرس الباب من أمازون، كما يقول: «لذلك على المستوى العام، لن تكون الأقمار الصناعية هي الطريقة الأكثر فعالية للقيام بذلك.» يضيف جونسون أن المكان الذي من المرجح أن تبرز فيه مسائل الخصوصية لن يكون من صور الأقمار الصناعية بحد ذاتها، ولكن من عواقب «البيانات الضخمة» الناجمة عن «مزاوجة» هذه الصور بالبيانات المجمّعة على الأرض. على سبيل المثال، يقول خلال مقابلتنا، «الآن، أنا أستخدم هاتفي المحمول. تُخزّن البيانات الوصفية في مكان ما. كما أستخدم أيضًا شبكة (Wi-Fi) على هاتفي المحمول. سأذهب لتناول الغداء وأستخدم بطاقتي الائتمانية. وربما سأمر عبر كاميرات دارات التلفزة المغلقة. نحن نخلق كثيرًا من البيانات في أنشطتنا اليومية.»

بعبارة أخرى، إذا كنت تبحث عن شيء لتخشاه، فلا تخشَ صور الأقمار الصناعية بحد ذاتها. بل اخشَ من كيفية الجمع بين هذه الصور مع كل شيء آخر. يقول بي جي بلونت (PJ Blount)، أستاذ القانون وباحث في أمن المعلومات في جامعة لوكسمبورغ، إنه من الناحية القانونية هناك طريقتان أساسيتان للتعامل مع هذا الأمر. إحداهما هي نظام الولايات المتحدة الأمريكية، الذي يقوم على فرضية أن أي شيء في المرأى العام مفتوح للمراقبة من قبل أي شخص، بما في ذلك الحكومة، على الرغم من وجود قوانين تمنع الجيش من استخدام أقماره الصناعية لمراقبة المواطنين الأمريكيين. ويقول إن عديدًا من القضايا القانونية المتعلقة بهذا الأمر تضمنت استخدام الطائرات لرصد عمليات زراعة الماريجوانا أو المخالفات البيئية من قبل الشركات الكبيرة، مع التركيز على مسألة ما إذا كانت الحكومة بحاجة لالتماس قاضٍ لإصدار مذكرة من أجل الحصول على المعلومات. يحتمل أن تكون هذه مشكلة للحكومة، كما يقول، ولكن ليس للمعلومات المتاحة تجاريًا. «إذا كان بإمكان أي شخص شراء الصور، فهناك قيود قليلة جدًا في الولايات المتحدة الأمريكية.» الأمر مختلف في أوروبا.

لديهم قانون خصوصية يُعرف باسم اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR)، التي تتضمن ما أصبح يُعرف باسم «الحق في النسيان»، الذي يحظر تراكم البيانات الإلكترونية على المستوى الفردي للأفراد الذين يفضلون تجنبها. يقول بلونت: «في أوروبا، لديك سيطرة جيدة جدًا على بياناتك. يمكنك الاتصال بشركة وطلب حذفها.» في أوروبا، كما يقول، ستمتثل الشركة، لكن في الولايات المتحدة الأمريكية، الإجابة هي «لا، لست مضطرًا لذلك.» وفقًا لستيفن فريلاند (Steven Freeland)، أستاذ القانون الدولي في جامعة ويسترن سيدني، فإن نهج أستراليا أقرب إلى النهج الأوروبي منه إلى الأمريكي، بهدف تسهيل استخدام البيانات العامة بشكل مناسب دون المساس بخصوصية البيانات. كما يدعو القانون أيضًا إلى «بيئة تشغيل تتميز بالتشفير واسع الانتشار»، وهو أمر جيد لمنع القرصنة، ولكن ليس لمنع الوكالات الحكومية التي تعرف رموز التشفير من استخدامها. يقول فريلاند: «لذا، إشارات مختلطة … في هذه المرحلة، أستراليا ليست مدرجة في قائمة المفوضية الأوروبية للبلدان خارج الاتحاد الأوروبي التي تتمتع بمستوى كافٍ من حماية البيانات.» وفي الوقت ذاته، يعتقد بومفريت أن الأشخاص المهتمين بالخصوصية يجب أن يتذكروا الفوائد العديدة التي قدمتها لنا الأقمار الصناعية بالفعل، وأن يدركوا أن مشكلات الخصوصية مع صور الأقمار الصناعية لا تختلف كثيرًا عن المشكلات مع أي شيء آخر. «أشعر أن المشرعين سيكونون أقل اهتمامًا بالمنصة وأكثر اهتمامًا بالبيانات وكيفية استخدامها.»

Share This