كتاب (حرب الرقائق)
لكريس ميلر
أ. رامي العمرو كلية الاقتصاد والإدارة – جامعة الملك عبد العزيز – السعودية
يشرح كتاب صدر مؤخرًا من الكاتب كريس ميلر Chris Miller تاريخ صناعة الرقائق بكل أبعادها الاقتصادية والسياسية والمستقبلية. الكتاب اسمه حرب الرقائق “Chips Wars” والكاتب متخصص في العلاقة بين التقنية والقوى الجيوسياسية في جامعة توفتس Tufts Uiversity ، ولديه خبرة في التاريخ الروسي والصيني. ويجادل كريس بأن صناعة الرقائق الإلكترونية ستحدد هيكل الاقتصاد العالمي وتوازن القوى الجيوسياسية.
يؤكد كريس بأننا لا نفكر بالشرائح إلا بشكل نادر مع أهميتها في الحياة الحديثة، لا يمكن تصور العولمة الحالية من غير أشباه الموصلات التي جعلت هذا التواصل ممكنًا. ولا يمكن تصور الذكاء الاصطناعي الذي نعيش بدايته الآن دون هذه الصناعة. يأخذ الكتاب القارئ إلى صناعة الشرائح منذ نشأتها عام 1958م، حيث يبدأ الكتاب بالمقالة التي كتبها مور في مجلة الإلكترونيات في 19 أبريل 1965م، وهي مجلة تجارية تخصصت في صناعة الراديو، دعت المقالة من قبل المهندس مور وهو مهندس إلكترونيات في شركة إنتل إلى تأمل وتمرين عقلي لتوقع مستقبل الحوسبة، ومن أهم التنبؤات التي قدمها، توقعه أن يتضاعف عدد الترانزستورات التي يمكن للمهندس إدخالها على رقاقة السيليكون تقريبًا كل عامين. وقد تم تحقق هذا التنبؤ بشكل مبهر على مدار العقود إلى درجة أنه معروف الآن باسم “قانون مور”. وقبل 60 عامًا، كان بإمكان أربعة ترانزستورات أن تتسع على رقاقة واحدة. واليوم، يمكن وضع حوالي 11.8 مليار ترانزستور على رقاقة.
يعرج الكتاب على ويليام شوكلي الحائز على جائزة نوبل وريادته التي أدت إلى ابتكار الترانزستور وبداية وادي السيليكون، وينسب الكتاب الفضل في تأسيس هذا الوادي إلى الخونة الثمانية كما يطلق عليهم وهم مجموعة من المهندسين الذين انشقوا عن شوكلي لتأسيس شركاتهم الخاصة بسبب سوء تصرفه وعدم قدرته على التفكير التجاري. كما يذكر الكتاب قصة عمليات التجسس التي قام بها الاتحاد السوفييتي لدخول لعبة الرقائق الإلكترونية، يصف ميلر الطريقة التي أدت فيها تبادلات البحوث السرية للشرائح الإلكترونية بين موسكو وجامعة ستانفورد في ستينيات القرن العشرين إلى سباق تسلح بارد يُلقي بظلاله على السباق النووي. ويُظهِر الألعاب التجسسية في تلك الفترة. حيث إن ألفريد سارانت وجويل بار هربوا بالأسرار إلى الإتحاد السوفييتي، وساعدوا في بناء صناعة الحواسب السوفياتية، ولكن صناعة الشرائح لم تتطور هناك بسبب السقوط في فخ البيروقراطية.
يعتبر المؤلف تايوان كجبل أوليمبوس لرقائق السيليكون، وفي قمتها موريس تشانغ، سيد الدبلوماسية الاقتصادية، ومؤسس شركة تايوان لتصنيع الشرائح الإلكترونية (TSMC) ومصانعها الفريدة من نوعها “فابس”. تعجز الكثير من الكتب عن إيصال فكرة العصر السيليكوني بطريقة سهلة ومبسطة للجمهور العام، ولكن كتاب “حرب الرقائق” لمايكل ميلر يفعل ذلك ببراعة. فقد استطاع المؤلف استخدام قوة قانون مور لتحليل التطور التاريخي لصناعة الرقائق الإلكترونية، وبالتالي يمكن للجميع الآن فهم أهمية هذا العصر وكيف يتفوق على العصر النووي من حيث الدراما والأهمية. ولا يمكن تجاهل أن هذا الكتاب يركز على الرقائق الإلكترونية بدلاً من البرمجيات، وهو ما يجعله فريدًا من نوعه.