كيف يفصل الدماغ البشري

الذكريات ويخزنها ويستعيدها

أ.حنان نصار تمريض – كلية الإقليم للتمريض – لبنان

حدد الباحثون نوعين من الخلايا في أدمغتنا التي تشارك في تنظيم الذكريات بناءً على وقت حدوثها مما يحسن فهمنا لكيفية تكوين الدماغ البشري للذكريات وعليه يمكن أن نفهم آثاره في اضطرابات الذاكرة مثل مرض الزهايمر . يعد هذا البحث تحويليًا في كيفية دراسة الباحثين لطريقة تفكير الدماغ البشري حيث يضيف إلى علم الأعصاب البشري نهجًا مستخدمًا سابقًا في الرئيسيات الحيوانية والقوارض بالتسجيل مباشرة من خلاياها العصبية التي تولد الأفكار.

إذن كيف يشكل دماغنا الذكريات وينظمها؟ نعيش حياتنا اليقظة بوصفها تجربة واحدة مستمرة، ولكن يُعتقد بناءً على دراسات السلوك البشري، أننا نخزن أحداث الحياة هذه على أنها لحظات فردية ومميزة! يشار إلى هذه النظرية باسم «تجزئة الحدث»، علمًا أنه لا تتوافر حتى الآن المعلومات الكافية نسبيًا عن كيفية عمل الدماغ البشري في هذا الإطار؛ ولدراستها بشكل أعمق وأوضح، عملت مجموعة من الباحثين مع 20 مريضًا كانوا يخضعون لتسجيل نشاط الدماغ لتوجيه الجراحة لعلاج الصرع المقاوم للأدوية. راقبوا كيفية تأثر نشاط دماغ المرضى عبر عرض مقاطع من العروض المرئية تحتوي على أنواع مختلفة من «الحدود المعرفية»، هي عبارة عن انتقالات صورية وأحداث يعتقد أن من شأنها أن تؤدي إلى تغييرات في كيفية تخزين الذاكرة التي تحدد بداية ونهاية «ملفات» الذاكرة في الدماغ.

النوع الأول، الذي يُشار إليه باسم «الحدود الناعمة» (Soft Boundary)، هو عرض مرئي يحتوي على مشهد ينتقل بعد ذلك إلى مشهد آخر إلا أنه يكمل القصة نفسها. على سبيل المثال، تلقى لعبة بيسبول تُظهر رمية اللاعب، وعندما يضرب الكرة، تقطع اللاقطة إلى لقطة للاعب آخر يلعب في اللعبة نفسها والملعب نفسه. على النقيض من ذلك، فإن «الحدود الصلبة» (Hard Boundary) هو قطع القصة لأخرى مختلفة تمامًا كما لو أن الكرة المضروبة قد تبعها على الفور إعلان تجاري لا علاقة له باللعبة. شرح الباحثون الاختلاف الرئيس بين النوعين حين طرح سؤال: «هل هذا مشهد جديد في القصة نفسها، أم أننا نشاهد قصة مختلفة تمامًا؟». كما تساءلوا عن مدى تغير السرد من مقطع إلى آخر ليحددوا نوع الحدود المعرفية؛ وسجل الباحثون نشاط دماغ المشاركين في أثناء مشاهدتهم مقاطع العرض المرئي، ولاحظوا مجموعتين مختلفتين من الخلايا تستجيبان لأنواع مختلفة من الحدود بزيادة نشاطهم. أصبحت المجموعة الأولى تسمى «الخلايا الحدودية» أكثر نشاطًا؛ استجابةً لحدود ناعمة أو صلبة. كذلك فإن المجموعة الثانية، يشار إليها باسم «خلايا الأحداث» استجابت فقط للحدود الصعبة. مما أدى إلى ظهور نظرية تدل على أن إنشاء ذاكرة جديدة يحدث عندما يكون هناك ذروة في نشاط كل من الخلايا الحدودية وخلايا الأحداث، وهو شيء يحدث فقط بعد حدود صلبة.

إن أحد الأمثلة على كيفية تخزين الذكريات والوصول إليها في الدماغ هو كيفية تخزين الصور على هاتفك أو جهاز الكمبيوتر الخاص بك. في كثير من الأحيان، تُجمع الصور تلقائيًا في أحداث، بناءً على وقت ومكان التقاطها ثم تُعرض لاحقًا بوصفها صورة رئيسة من هذا الحدث. عند النقر فوق تلك الصورة، يمكنك التعمق في هذا الحدث المحدد مجددًا. وقد أشار الباحثون إلى أن «الاستجابة الحدودية يمكن اعتبارها مثل إنشاء ملف جديد للصور لحدثٍ ما وأثناء بناء الذاكرة يبدو الأمر كما لو أنه تضاف صور جديدة إلى هذا الحدث. عند حدوث حدّ صلب، يُغلق ملف الحدث الأخير ويبدأ حدث جديد. أما الحدود الناعمة فهي الصور الجديدة التي أنشئت في حدث معين واحد». نظر الباحثون بعد ذلك في استرجاع الذاكرة وكيف ترتبط هذه العملية بتحفيز «الخلايا الحدودية» و»خلايا الأحداث»، حيث افترضوا أن الدماغ يستخدم ذروة الحدود علاماتٍ «للمسح بقراءة سريعة» للذكريات الماضية، يشبه إلى حد كبير الطريقة التي تستخدمها الهواتف لتحديد الأحداث عبر الصور الرئيسية؛ وعندما يجد الدماغ نمط تحفيز يبدو مألوفًا، «يفتح» هذا الحدث. كذلك استخدم اختباران مختلفان للذاكرة مصممان لدراسة هذه النظرية. في البداية، عُرض على المشاركين سلسلة من «الصور الثابتة» وسُئلوا عما إذا كانوا يذكرون مشهدًا من مقاطع العرض الذي شاهدوه للتو. كان المشاركون في الدراسة أكثر عرضة لتذكر الصور التي حدثت بعد مدة وجيزة من الحدود الصلبة أو الناعمة، وهو الوقت الذي كان من الممكن فيه إنشاء «صورة» أو «حدث» جديد.

بينما تضمن الاختبار الثاني عرض «أزواج من الصور» المأخوذة من مقاطع عرض شاهدوه للتو. ثم سُئل المشاركون عن أي من الصورتين ظهرت أولًا. اتضح أن المشاركين واجهوا صعوبة أكبر في اختيار الصورة الصحيحة خاصةً إذا حدث الاثنان على جوانب مختلفة من حدود صعبة أي قبلها وبعدها، ربما بسبب وضعهم في «أحداث» مختلفة. توفر هذه النتائج نظرة ثاقبة عن كيفية إنشاء الدماغ البشري للذكريات وتخزينها والوصول إليها. ونظرًا لأن تجزئة الأحداث هي عملية يمكن أن تضعف بين الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الذاكرة، فيمكن تطبيق هذه النظريات لتطوير علاجات جديدة. يخطط الباحثون في المستقبل للنظر في طريقتين محتملتين لتطوير العلاجات المتعلقة بهذه النتائج. أولًا، يمكن تنشيط الخلايا العصبية التي تستخدم مادة الدوبامين الكيميائية، التي تشتهر بدورها في آليات المكافأة، بالخلايا الحدودية وخلايا الأحداث، مما يشير إلى هدف محتمل للمساعدة في تقوية تكوين الذكريات. ثانيًا، رُبط أحد الإيقاعات الداخلية الطبيعية للدماغ، والمعروف باسم (Theta Rhythm)، بالتعلم والذاكرة، فإذا حُفِّزت خلايا الأحداث في الوقت المناسب بهذا الإيقاع، فسيكون من الأسهل على المشاركين تذكر ترتيب الصور التي عرضت عليهم في الاختبار الثاني السابق ذكره. ونظرًا لأن التحفيز العميق للدماغ يمكن أن يؤثر في (Theta Rhythm)، فقد يكون هذا وسيلة أخرى لعلاج المرضى الذين يعانون من اضطرابات ذاكرة معينة.

Share This