لماذا نهتم بتقييم سلامة
تقنية النانو والمواد النانوية؟
د. ناصر بن بدر الصالح أستاذ مساعد، قسم علم الأدوية والسموم كلية الصيدلة، جامعة الملك سعود
كثيرًا ما نسمع عن تقنية النانو، ويتبادر إلى أذهاننا تلك التقنية ذات التطبيقات غير الاعتيادية، التي أحيانًا تكون أشبه ما تكون بتلك التي نراها في أفلام الخيال العلمي، كالروبوتات والعلاجات الجينية! لا شك أن تقنية النانو وتطوير المواد النانوية أصبحت تنمو بشكل متسارع جدًّا في السنوات القليلة الماضية، إذ إنَّ كثيرًا من الدول خصصت ميزانيات ضخمة، وأنشأت برامج بحثية طويلة الأمد من أجل تطوير الأبحاث وتطبيقاتها في هذا المجال. أحد أهم أسباب هذا الاهتمام الكبير هو اختلاف خواص المواد بحجم النانو عن ذات المواد بالأحجام الأخرى، وظهور خواص فيزيائية وكيميائية جديدة كالمتانة، والمرونة، والخفة، والكهرومغناطيسية. وتطبيقاتها في هذا المجال. أحد أهم أسباب هذا الاهتمام الكبير هو اختلاف خواص المواد بحجم النانو عن ذات المواد بالأحجام الأخرى، وظهور خواص فيزيائية وكيميائية جديدة كالمتانة، والمرونة، والخفة، والكهرومغناطيسية. وللتذكير فإنَّ (1) نانومتر يساوي (1) من مليار جزء من المتر. ولتقريب التصوُّر لهذا الحجم الصغير جدًّا، فلنتخيَّل أنه عندما نقارن طول الواحد نانومتر بالواحد متر فكأننا نقارن قطر كرة القدم بقطر الكرة الأرضية!


ومع اختلاف الخواص الفيزيائية والكيميائية الجديدة للمادة النانوية، تأتي تطبيقات مختلفة في شتى قطاعات الصناعة، كالأجهزة والمعالجات الإلكترونية، والأغذية، والزراعة، والأنظمة البيئية الخضراء، والصناعات الدوائية. على سبيل المثال، أنابيب الكربون متعددة الأسطح هي أحد أنواع المواد النانوية التي تدخل في صناعة أجسام الطائرات والصواريخ، لما تمتاز به من متانةٍ تفوق متانة الحديد بمئة مرة، إضافةً إلى وزنها الخفيف جدًّا بالمقارنة!

يؤدي الانتشار الواسع لاستخدام المواد النانوية في أغلب القطاعات الصناعية (إن لم يكن جميعها) حتمًا إلى زيادة تعرُّض الإنسان والنظام البيئي لها. وكما أنَّ للمواد النانوية خواصَّ جديدة تُستغَل في تطبيقات مختلفة، فمن المنطقي توقُّع أن تتصرف تلك المواد حيويًّا بشكل مختلف عن العادة، وهذا ما يؤدي إلى إمكانية ظهور أضرار ((جديدة)) لا تصاحب المواد ذاتها خارج نطاق النانو. ولهذا نشأ علم السموم النانوية من أجل ضمان سلامة هذه المواد عند تعرُّض الإنسان والنظام البيئي لها. وفي مطلع القرن الحادي والعشرين، ومع انبثاق المبادرة الوطنية لتقنية النانو في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2000 من أجل تطوير تقنية النانو والاستفادة من تطبيقاتها، اهتمًّ الباحثون في مجال علم السموم النانوية بمعرفة الأضرار المحتملة عند التعرُّض للمواد النانوية؛ منها تحديد طبيعة تفاعل تلك المواد مع جسم الإنسان على المستوى الخلوي والجزيئي من أجل معرفة وتحديد المواد الضارة، حتى يتسنَّى وضع تشريعات جديدة تنظم استخدام المواد النانوية في القطاع الصناعي ومنتجات المستهلك للحد من هذه الأضرار. جدير بالذكر أنَّ المعرفة المُتحصَّلة من هذه الدراسات لا تقتصر على تحديد المواد النانوية الضارة فقط من أجل سن قوانين وتشريعات جديدة، وإنما تمكين الاستفادة منها في تطوير طب النانو، وإيجاد تطبيقات حيوية وطبية جديدة.
وربما يتبادر إلى الذهن في هذه اللحظة إن كانت هناك حالات أو نتائج بحثية سابقة أظهرت أضرارًا لمواد النانو، وتسببت في وضع تشريعات جديدة. وهنا سنكتفي بذكر حادثتين حصلتا في الفترة القريبة الماضية؛ أحد أكثر مواد النانو استخدامًا في قطاع الأغذية هي جسيمات ثاني أكسيد التيتانيوم النانوية، وتستخدم كمادة مبيضة في كثير من المنتجات كالحلويات والحليب. وأوضحت الدراسات احتواء هذه المادة النانوية على أضرار على مستوى جسم الإنسان، ولهذا منعت فرنسا في مطلع عام 2020 استخدامها في قطاع الأغذية، وتقوم المفوضية الأوروبية بوضع تشريعات جديدة تضمن تقييد استخدام بعض أنواع جسيمات ثاني أكسيد التيتانيوم النانوية في القطاع الصناعي!(1) الحالة الأخرى هي لدواء “فيروموكسيتول” وهو جسيمات أكسيد الحديد النانوية، الذي يُعطى لتعويض النقص في الحديد عند مرضى القصور الكلوي. نتج عن استخدام هذا الدواء قبل عدة سنوات نوبات حساسية شديدة تسببت في وفاة عدد من المرضى، وهذا ما أدى إلى تشديد ووضع إجراءات جديدة عند استخدام هذا الدواء لمرضى القصور الكلوي(2).٠


لذا تتجلى لنا الأهمية القصوى لتقييم ودراسة المواد النانوية من ناحية سلامتها على الإنسان ووضع التشريعات الخاصة بها إن لزم الأمر. إضافةً إلى أنَّ فهم طريقة تفاعل المواد النانوية مع مكونات الجسم تسهم بشكل كبير في تطوير طب النانو، واكتشاف طرائق علاجية غير مسبوقة!