ليزر أشباه الموصلات

د. عبدالله المقبل علم وهندسة المواد – مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية – السعودية

يُقال إن الحاجة هي أم الاختراع، لكن اختراع الليزر كان استثناء من هذه القاعدة، حيث لم يكن لليزر وقت اختراعه عام 1958م أي تطبيقات معروفة على عكس الكثير من الاختراعات التي خرجت استجابة لحاجة ما. ويحكى عن أحد مخترعي الليزر وهو الفيزيائي آرثر شاولو الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء 1981م قوله (لم يكن لدينا فكرة عن استعمالاته حينها، ولو كانت لدينا لأعاقتنا ولم ينجح كما هو الحال الآن). في عالمنا اليوم، يُعد الليزر ركيزة أساسية في العديد من التطبيقات مثل اتصالات الألياف الضوئية العابرة للمحيطات، ومراكز نقل البيانات، ووسائط التخزين، ناهيك عن الاستعمالات العلمية والطبية والدفاعية وغيرها من التطبيقات التي لا غنى عنها في حياتنا. كما كان لاستعمال الليزر أثر محوري في نجاح عدد من التجارب المخبرية عالية الدقة، مثل التجارب التي بلغت الصفر المطلق لأول مرة عام 1985، وكذلك أول تجربة اندماج نووي ناجحة عام 2022 م.

ينتج إشعاع الليزر من مواد مختلفة إمّا صلبة (مثل الياقوت أو الزجاج المشّوب)، أو سائلة (مثل الفلوريسين)، أو غازية (مثل ثاني أكسيد الكربون). وثمة كذلك ليزر الألياف الضوئية وهو من أعلى أنواع الليزر كفاءة وقدرة. وأخيرا ليزر أشباه الموصلات وهو أعلاهم كفاءة، ويستعمل بكثرة في الاتصالات ونقل البيانات. يعد ليزر الياقوت أول ليزر صُنع بنجاح عام 1960 م. أعقبه بسنتين اختراع ليزر أشباه الموصلات من مادة زرنخيد الغاليوم GaAs. ومن أبرز أشباه الموصلات التي تستعمل في تصنيع الليزر فوسفيد الإنديوم لتطبيقات الاتصالات تحت الحمراء، ونيتريد الغاليوم لتطبيقات الإضاءة. ورغم أن السيليكون مادة ذات فجوة طاقة غير مباشرة إلا أنه يمكنه الإشعاع ليزريا عبر تأثير رامان.

يتركب الليزر شبه الموصل من تجويف ضوئي محاط بمرآتين عالية الانعكاس (انعكاسية 99% وأكثر). ويحاط التجويف كذلك من أعلى ومن أسفل بطرفي شبه الموصل الموجب والسالب. وتُحقن الفجوات والإلكترونات في الطبقات الكمومية MQW داخل التجويف الضوئي من طرفي شبه الموصل الموجب p والسالب n على التوالي. مع دخول الفجوات الموجبة والإلكترونات السالبة إلى التجويف الضوئي يندمج جزء منها مع بعضه البعض ليطلق فوتونات تتذبذب ذهابا وإيابا داخل التجويف الضوئي بفعل وجود المرايا العاكسة. ولكي يشع الليزر يجب أن يتحقق شرطان مهمان، الأول أن يكون هناك تقييد للشحنات وتقييد للفوتونات في ذات الوقت ومن كل الجوانب داخل التجويف الضوئي مما يضمن عدم تسرب أي منهن خارج التجويف الضوئي، والثاني أن يتحقق تضخيم للفوتونات أثناء تذبذبها ذهابا وإيابا داخل التجويف الضوئي. ويتوقف شرط تضخيم الفوتونات بشكل أساسي على نقاوة المادة شبه الموصلة التي يتشكل منها التجويف الضوئي، وقوة تقييد الفوتونات داخله. وعند تجاوز كثافة الفوتونات داخل التجويف الضوئي عتبة الإشعاع الليزري، فإن الفوتونات تخترق إحدى المرآتين العاكستين ليخرج منها شعاع الليزر.

يمتاز ليزر أشباه الموصلات بكفاءته العالية مقارنة بأنواع الليزر الأخرى. حيث تصل كفاءة ليزر زرنخيد الغاليوم حاليا إلى 75% مقارنة بـ 40% لليزر الألياف الضوئية شائع الاستعمال في التطبيقات الدفاعية و30% لليزر ثاني أكسيد الكربون المستعمل بكثرة في المصانع و1% لليزر الياقوت. لم تكن رحلة رفع كفاءة ليزر أشباه الموصلات خالية من التحديات، فقد استغرقت قرابة نصف قرن للوصول إلى هذه الكفاءة، ويعود الفضل في رفع مستواها إلى التحسن الكبير في نقاوة المواد شبه الموصلة، وجودة إنماء الطبقات الكمومية، وتقليل الفقد الكهربائي، وهندسة المشتت الحراري، بالإضافة إلى التدفق الكبير للاستثمارات المؤسسية في هذه التقنية مع بزوغ ثورة الاتصالات أوائل القرن الحالي، لا سيما برنامج SHEDS البحثي الذي انطلق عام 2003م. وأسهمت هذه التحسينات في رفع اعتمادية الليزر شبه الموصل وخفض كلفته؛ حيث تبلغ التكلفة الحالية لليزر شبه موصل من نوع زرنخيد الغاليوم قرابة 1 دولار لكل واط.

صورة 2: طيف الإشعاع الذي يصدر من الليزر شبه الموصل.

صورة 1: الطبقات الأساسية التي يتركب منها الليزر شبه الموصل (تصميم م. هدباء القحطاني).

ومن الخصائص المميزة لليزر شبه الموصل أنه يمكنه الإشعاع أفقيا أو عموديا حسب تصميمه. ولكل تصميم استعماله؛ حيث يستعمل الليزر المشع أفقيا في اتصالات الألياف الضوئية ومراكز البيانات، فيما يستعمل الليزر المشع عموديا في أجهزة الاستشعار مثل تقنية التعرف على الوجه في الهواتف الذكية. ويمتاز ليزر الإشعاع العمودي عن الأفقي بكونه يستهلك كمية تيار كهربائي أقل لإشعاع الليزر، ولذلك يكثر استعماله في المستشعرات. 

تتركز الأبحاث حاليا على استعمال ليزر أشباه الموصلات، في تصميم وبناء دوائر ضوئية متكاملة منخفضة التكلفة وعالية الكفاءة، لتطبيقات مراكز البيانات الضوئية والسيارات ذاتية القيادة. وذلك لكون نقل ومعالجة البيانات ضوئيا يعد أسرع بكثير من نقلها ومعالجتها كهربائيا. ولتلبية ذلك يتم استعمال السيليكون زهيد التكلفة كركيزة لبناء هذه الدوائر الضوئية، وهو ما يتطلب نزع الليزر شبه الموصل من ركيزته الأساسية (مثل زرنخيد الغاليوم) ونصبه على ركيزة السيليكون، وهي مهمة تواجه تحديات من الناحية التقنية والإنتاجية والقابلية للتوسع، وتعد مثار بحث مهم. كما تدرس بعض المجموعات البحثية استعمال النقاط الكمومية QDs كوسط نشط لإشعاع الليزر بدلا عن الطبقات الكمومية MQWs ؛ لأنه يسهل إنمائها مباشرة على السيليكون، ويعتقد أنها – لصغر حجمها – مقاومة أكثر للعيوب البلورية مقارنة بالطبقات الكمومية خاصة للتطبيقات التي لا تتطلب قدرة عالية. وخلاصة القول فإن تشعب التطبيقات القائمة على ليزر أشباه الموصلات ودخوله في الهواتف والسيارات الذكية، يضمن استمرار نمو هذه التقنية وتطورها في المستقبل المنظور وعلى المدى البعيد. 

المرجع

  1. Diode Lasers and Photonic Integrated Circuits, 2nd Edition

By : Larry A. Coldren, Scott W. Corzine, Milan L. Mashanovitch

ISBN: 978-0-470-48412-8 Published March 2012

  1. Advanced laser technology for quantum communications. 

Paraïso, T. K., Woodward, R. I., Marangon, D. G., Lovic, V., Yuan, Z., & Shields, A. J. (2021). 

Advanced Quantum Technologies, 4(10), 2100062.

 

Share This