ما الذي غاب عن قادة

العالم في قمة منا خ

غلاسكو؟

انبعاثات صناعة اللحوم

أ. روان الخلايلة – هندسة كيميائية – الجامعة الأردنية

في الوقت الذي يهتم فيه العالم بالوقود الأحفوري والغازات الدفيئة الناتجة عنه في قمة مناخ غلاسكو، ويدعو لخفض ارتفاع درجات الحرارة عند 1.5 سيليسيوس وخفض انبعاثات هذه الغازات المتسببة بالاحتباس الحراري بنسبة 50% بحلول 2030 ومن ثم الوصول إلى اقتصاد خال من الانبعاثات الكربونية بحلول 2050، يغيب ثاني أكبر مصدر لهذه الانبعاثات والذي ينتج 50% منها والمتمثل بصناعة اللحوم عن القمة للأسف.

تنتج صناعة اللحوم ما حجمه (14-25) مليون طن من الميثان سنويًا على مستوى العالم، وهذا رقم واقعي جدًا؛ ففي الولايات المتحدة الامريكية لسنة 2014 وحدها انتجت ما مقداره 14 مليون طن، مما يعني أنها تتفوق على وسائل النقل، وتتسبب هذه الصناعة كذلك بوفاة 12700 شخص سنويًا بحسب الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة الأمريكية، وبذلك تشكل تربية المواشي وصناعة اللحوم مصدرًا رئيسًا لملوثات الهواء وتضع نفسها في مركز لا يقل أهمية عن الوقود الأحفوري بأنواعه، ولذلك يطرح هذا المقال الأسئلة التالية ويحاول الإجابة عليها:

  1. ما الغازات الدفيئة وما علاقتها بالاحتباس الحراري؟
  2. كيف تنتج صناعة اللحوم الغازات الدفيئة؟
  3. ما الحلول العلاجية المقترحة للتقليل من حجم الغازات الدفيئة الناتجة عن هذه الصناعة؟ 

يستخدم مصطلح الغازات الدفيئة للتعبير عن الغازات التي تمتص الأشعة الواقعة ضمن نطاق الأشعة تحت الحمراء، وامتصاصها لهذه الأشعة يعني عدم نفوذها إلى خارج الغلاف الجوي وبالتالي ارتفاع درجة حرارة الهواء الملامس للأرض بالإشعاع، ويعد كل من بخار الماء وثاني أكسيد الكربون والميثان والأوزون واكسيد النيتروجين من الأمثلة على هذه الغازات، وهي بالمناسبة غازات مهمة للحياة على الأرض فلولاها كانت درجة حرارة الأرض ستقترب من -18 سيليسيوس، وذلك يعني أن ظاهرة الاحتباس الحراري التي تجعل كوكبنا قابلًا للحياة لكن ضمن حدود معينة إذا تجاوزتها نسب هذه الغازات زاد حجم الإشعاع المحبوس غير القادر على النفاذ إلى خارج الغلاف الجوي وارتفعت درجات الحرارة بشكل مطّرد كما هو حاصل في الكويت الآن حيث سجلت درجات حرارة تزيد على 50 سيليسيوس في وقت قريب، وذابت الثلوج التي في الاقطاب وارتفعت منسوبات مياه المحيطات وانقرضت كائنات حية كثيرة، بسبب تغير المناخ الحاصل كنتيجة لذلك، ونقصت الموارد الغذائية المتاحة ، وصارت الحياة أصعب بسبب حالة الاحتباس الحراري التي تسببت بها هذه الغازات.

أما صناعة اللحوم فيقصد بها تربية المواشي لأغراض صناعية، وهي صناعات ضخمة تعتمد بشكل خاص على تربية أعداد كبيرة جدًا من الأبقار للاستفادة من لحومها وجلودها ومشتقات ألبانها، تنمو هذه الصناعة بسرعة كبيرة متناسبة مع نمو حجم الطلب؛ فالطلب العالمي على اللحوم ومشتقاتها، على سبيل المثال، ازداد في المدة ما بين (1961-2010) لدرجة جعلت انبعاثات غاز الميثان الناتجة عن صناعة اللحوم ترتفع بنسبة 51% عما كانت عليه قبل ذلك، وانبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون تزيد بمقدار 1000000000 طن أيضًا.

وتسهم هذه الصناعة في إنتاج الغازات الدفيئة بشكل عام وغاز الميثان بشكل خاص عبر التالي:

  • الغازات الناتجة عن عمليات الهضم اللاهوائي لمخلفات الأبقار المتراكمة في الحظائر ومكاب النفايات، حيث تعمل بكتيريا لا هوائية على تحليل هذه المخلفات العضوية مما ينتج غاز الميثان.
  • الغازات التي تنتجها الأبقار نفسها أثناء عملية الهضم.
  • الغازات الناتجة عن عملية نقل الأعلاف.
  • استخدام بعض الآلات التي تعتمد على مصادر الطاقة غير المتجددة المختلفة في هذه الصناعة؛ مثل: آلات حلب الأبقار. 

وبما أن مجموع ما ينبعث عن جميع هذه المصادر يجعل صناعة اللحوم ثاني أكبر مصدر للغازات الدفيئة بعد البتروليات، ويجعلها تتسبب بمقتل أكثر من 12700 شخص سنويًا، وجب إيجاد طرق تساعد على خفض هذه المستويات، خصوصًا ضمن هذا الطلب المتزايد حول العالم، وعليه علاج المشكلة نسبيًا بالاعتماد على ما يلي:

  • بناء مكبات مخلفات المواشي بنظم حديثة تحتوي مصائد للميثان، بحيث يتجمع الغازات الناتجة عن هضم هذه المخلفات وترسل لمحارق، ومن ثم الاستفادة من الطاقة الحرارية الناتجة عن عمليات الحرق هذه في إنتاج طاقة كهربائية نظيفة.
  • إضافة مواد كيميائية أو بيولوجية مثل: (3-Nitrooxypropanol) بهدف قتل ومنع نمو البكتيريا التي ستتسبب في هضم مخلفات المواشي وإنتاج الغازات الدفيئة من الأساس.
  • تقليل حجم الطلب العالمي على اللحوم بإيجاد بدائل أولًا، ومن ثم اتباع أنظمة غذائية توفر مصادر مختلفة للبروتين، وضبط الإعلانات التي تسهم بارتفاع الطلب عليها.
  • فرض قوانين عالمية لتقنين هذه الصناعة وفق ضوابط بيئية حازمة. 

إن تطبيق هذه الحلول وغيرها لا يمكن أن يكون فعالًا من دون رؤية عالمية حقيقة نافذة للحد من توسع صناعة اللحوم ومن الزيادة الحاصلة للغازات الناتجة عنها، وقمة مناخ غلاسكو الدائرة الآن لن تمثل خطوة جيدة للحد من آثار ظاهرة الاحتباس الحراري من دون أن تلتزم دول العالم الكبرى بذلك على أرض الواقع فيما يخص مصادر الغازات الدفيئة جميعها، فرئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون مثلًا يستضيف القمة وبلاده تستعد لبدء مشروع جديد متعلق بافتتاح مناجم جديدة للفحم الحجري، والرئيس الأمريكي جو بايدن وصل للقمة بطيارته الخاصة في رحلة أنتجت على الأقل 13 ألف طن من انبعاثات أكسيد الكربون، ثم قال في المؤتمر: «الأولوية هي الحفاظ على البيئة».

Share This