مبادرات رائدة

في مكافحة التغير المناخي

أ.د. حسام خنكار – هندسة علوم الطاقة الشمسية – مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية

أصبح التغير المناخي حقيقة وواقعًا لا مجال للهروب منه أو تجاهله بعد أن تجاهلته كثير من دول العالم إما لمصالح اقتصادية أو سياسية أو جهل آثارها السلبية وهذا التجاهل أثر سلبا على كوكب الارض حتى تراكمت المشاكل المناخية تمخض عنها أمراضًا مزمنةُ وأضرارً بيئية وصحية يصعب حلها في مدة قصير. بعض الدول قد بدأت تقلق من هذا الوضع فأقامت المؤتمرات للتوعية والمحاضرات والدورات لتجنب تفاقم المشكلة، ولمواجهة تلك الصعاب ومحاولة تعديل وإنقاذ ما يمكن إنقاذه للحفاظ على كوكب الأرض، فالعالم اليوم ينتج تسعة وعشرين مليون طن تقريبًا من الانبعاثات الكربونية سنويًا. وتأتي الولايات المتحدة الأمريكية ودولة الصين بنسبة أربعين بالمئة من إجمالي الانبعاثات الكربونية الحاصلة. 

فكان من أهم المواضيع التي نوقشت في هذه المؤتمرات تدور حول الحفاظ على الغابات والبقع الخضراء في العالم والتصحر وخفض استهلاك الطاقة الأحفورية مثل النفط والفحم وحصر استخدامها في النطاقات الضيقة التي يصعب الاستغناء عنها، كما أنه تناقش العوامل البيئية والاجتماعية والحوكمة والتي يطبقها المستثمرون و بشكل متزايد في صناعة التحلية وعليه سوف يزيد الطلب على تحليه المياه خصوصًا وأن التأثيرات البيئية المتراكمة اضافت عبئًا على طبيعة كوكب الأرض والبيئة مثل ذوبان القطب الشمالي والجنوبي على سبيل المثال لا الحصر وارتفاع منسوب المياه للمدن الساحلية والكوارث البيئية مثل الفيضانات في مناطق لم تكن تعاني من مشكلات بيئية قبل ذلك والتصحر في أماكن أخرى بعد أن كانت خضراء. بالنسبة لقطاع تحلية المياه، هناك واحد وعشرون ألف محطة لتحلية المياه حول العالم تستهلك حوالي أربعمائة وواحدًا وأربعين جيجا وات يوميا وهذه في مائة وخمسين دولة أو أكثر والتي تقوم بإنتاج مائة وستة وعشرين مليون متر مكعب يوميا وهناك أكثر من ثلاثمائة مليون نسمه يستهلكون المياه المحلاة لتلبية احتياجاتهم اليومية من مستشفيات ومصانع ومنازل… وتعد المملكة من أكبر دول العالم إنتاجًا، حيث تنتج اثنين وعشرين بالمائة من إجمالي المياه المحلاة في العالم، واستهلاكًا للماء المحلى لقلة موارد الماء العذب بسبب طبيعتها الجغرافية الصحراوية وهذه المحطات تزيد من الانبعاثات الكربونية بأطنان هائلة من ثاني أكسيد الكربون والتي تضاف إلى الانبعاثات الكربونية الناتجة من الصناعة، والتي كانت منذ نشأة الثورة الصناعية تركز على رفع وتنمية الاقتصاد متجاهلة النظم والقوانين للحد من الانبعاث الكربوني.

أما في قطاع إنتاج الكهرباء بالطاقة الشمسية فبوجود شبكة كهرباء موحدة يمكن إنتاج الكهرباء في المناطق النائية والغير مكتظة بالسكان ونقلها بالشبكة إلى مناطق الاحتياج. ولأهمية الأمن المائي فقد أطلقت مبادرة خادم الحرمين الشريفين لتحلية المياه بالطاقة الشمسية لخفض انبعاث الكربون من استخدام النفط والطاقة الأحفورية ومن خلال مياه الخليج العربي والبحر الأحمر وكم هائل من الطاقة الشمسية يمكن الاستفادة لإنتاج مياه عذبة وتنقسم المبادرة إلى أربع مراحل المرحلة الأولى إنتاج ثلاثين ألف متر مكعب يوميًا من المياه المحلاة بالخفجي، والمرحلة الثانية إنتاج ثلاثمائة ألف متر مكعب يوميًا، والمرحلة الثالثة تطبق الطاقة الشمسية في محطات التحلية كافة بالسعودية، والمرحلة الرابعة تطبيق المبادرة للزراعة عندما تكون الكلفة تصل إلى خمسين قرشا سعوديا (نصف الريال) لكل متر مكعب، وبذلك تكون المملكة قد خفضت من الانبعاثات الكربونية بأكثر من مائتي وسبعين مليون طن سنوياً. فهي تسعى للوصول إلى صافي صفر بحلول عام 2060. خلال الأربعين سنة الماضية فقط، زادت درجة الحرارة 1.1 درجة مئوية مما زاد من ارتفاع معدل الحرائق في الغابات وزيادة الفيضانات وزيادة المناطق الجافة والتصحر. وقد سجلت السنوات الست الماضية أعلى معدل ارتفاع في درجات الحرارة منذ أكثر من مائة وخمسة وعشرين عامًا، كما أوضحت القياسات بأن عام 2021 سُجلت أعلى درجة حرارة عرفها الإنسان.

بالعودة إلى عام 2015، وبالتحديد في مؤتمر (COP21) في مدينة باريس، ولأول مرة على الإطلاق اتفقت مجموعة من الدول على العمل معًا للحد من الاحتباس الحراري إلى أقل من درجتين وتهدف إلى 1.5 درجة، للتكيف مع تأثيرات تغير المناخ وتسخير الأموال المتاحة لتحقيق هذه الأهداف، فيما يسمى باتفاقية باريس، ويعد الالتزام بهدف 1.5 درجة أمرًا مهمًا لأن كل جزء من درجة الإحترار سيؤدي إلى خسارة العديد من الأرواح وتدمير سبل العيش. نصّت إتفاقية باريس على أنه يجب على الدول كل خمس سنوات اتخاذ إجراءات مناخية طموحة بشكل متزايد. وهذا يعني أنه بحلول عام 2020 يتعين على الدول تقديم أو تحديث خططها لخفض الانبعاثات الكربونية، والمعروفة باسم المساهمات المحددة وطنيًا (NDCs). جعل هذا الفترة التي سبقت قمة هذا العام في غلاسكو، المقرر عقدها في عام 2020 ، لكنها تأخرت لمدة عام بسبب الوباء، لحظة حاسمة في مهمة العالم للحفاظ على الأمل في الحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة على قيد الحياة. أما في عام 2021 أقيم مؤتمر غلاسكو (COP21) بالمملكة المتحدة لتكون النتيجة هو اتفاق جميع الأطراف على إطلاق برنامج عمل غلاسكو «شرم الشيخ» لمدة عامين بشأن الهدف العالمي للتكيف (Glass) هذه الخطوة المهمة ستؤدي إلى الحد من قابلية التأثر وتعزيز المرونة وزيادة قدرة الناس والكوكب على التكيف مع آثار تغير المناخ. تتمثل أهداف برنامج عمل (Glass) على وجه التحديد في:

طاقة الفحم تمثل ربع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، والفحم هو أكبر مساهم منفرد في تغير المناخ الناتج عن الإنسان. يتطلب الحفاظ على 1.5 درجة مئوية على قيد الحياة الوقف الفوري لبناء محطات جديدة لتوليد الطاقة بالفحم، وتوسيع نطاق الطاقة النظيفة، وإيقاف أساطيل الفحم الحالية، في الاقتصادات المتقدمة بحلول عام 2030 وعلى مستوى العالم بحلول عام 2040. عملت رئاسة المملكة المتحدة بجد لإنهاء طاقة الفحم بلا هوادة. ولأن الفحم يعد الأكثر تلويثًا في أنواع الوقود الأحفوري، فقد التزمت خمس وستون دولة الآن بالتخلص التدريجي من الفحم، بما في ذلك أكثر من عشرين التزاما دوليًا جديدًا إضافة إلى الثمان والأربعين التزاما سابقًا حسب مؤتمر (COP21) دول الأعضاء في (”Powering Past Coal Alliance “PPCA)، ارتفاعًا من ثلاث وثلاثين دولة عندما تولى رئاسة مؤتمر الأطراف. التزمت جميع الدول الرئيسة التي تموّل الفحم بإنهاء التمويل الدولي للفحم بحلول نهاية عام 2021. وقد التُزم بأكثر من 20 مليار دولار من التمويل العام والخيري الجديد لدعم الدول النامية لتوسيع نطاق الطاقة النظيفة والانتقال بعيدًا عن الفحم. قدمنا الإشارات التفاوضية الأولى إلى «التخلص التدريجي من طاقة الفحم» وإنهاء دعم الوقود الأحفوري في تاريخ اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ الممتد 26 عامًا.

لا يمكننا التوقف عند الفحم. نحن بحاجة إلى التقليل التدريجي من استخدام جميع أنواع الوقود الأحفوري عبر قطاع الطاقة. ففي (COP21)، التزمت أربع وثلاثين دولة وخمس مؤسسات تمويلية عامة بإنهاء الدعم العام المباشر (حوالي 24 مليار دولار سنويًا) لقطاع طاقة الوقود الأحفوري الدولي بلا هوادة بحلول نهاية عام 2022. هذه تعتبر قفزة هائلة إلى الأمام وستحرر هذه الأموال والمزيد في القطاع الخاص لنشرها في مجال الطاقة المتجددة. تم التسليم في (COP21) حشد الشركاء الدوليون أكثر من 20 مليار دولار من أجل انتقال عادل وشامل من الفحم إلى الطاقة النظيفة. وهذا يشمل:

  • شراكة التحول للطاقة العادلة في جنوب أفريقيا بقيمة 8.5 مليار دولار أمريكي.
  • صندوق الاستثمار المناخي البالغ قيمته ملياري دولار أمريكي لتسريع انتقال الفحم وبرامج تكامل الطاقة المتجددة، والتي ستعزز أيضًا تمويلًا إضافيًا عبر شركاء متعددي الأطراف وشركاء من القطاع الخاص.
  • صندوق طاقة جديد بقيمة 10 مليارات دولار، وهو الصندوق العالمي لتحالف الطاقة من أجل الناس والكوكب، والذي سيوفر كهرباء متجددة موثوقة لمليار شخص بحلول عام 2030 وتجنب 4 مليارات طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

كما يمثل النقل البري أكثر من 10% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وحوالي نصف استهلاك العالم من النفط. يمكن أن يؤدي إزالة الكربون عن النقل البري إلى تقليل 2.6 جيجا طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا بحلول عام 2030. كان الهدف الأساسي للنقل في (COP21) هو إثبات أن الانتقال إلى تكنولوجيا النقل البري ذات الانبعاثات الصفرية قد وصل إلى نقطة تحول، وتسريع النتائج من خلال العمل التعاوني. يجب أن نذكر (COP21) على أنه مؤتمر الأطراف الذي أطلق السوق الشامل للمركبات التي لا تصدر أي انبعاثات. حددت أكثر من ثلاثين دولة وست شركات تصنيع سيارات رئيسة، وجهات فاعلة أخرى لتصميمها على أن تكون جميع مبيعات السيارات والشاحنات الجديدة صفرية بحلول عام 2040 على مستوى العالم و2035 في الأسواق الرائدة. قدمت الدول التي تمثل خُمس سوق السيارات العالمية الآن التزامًا أو اقتراحًا على المستوى الوطني لإنهاء بيع المركبات الملوثة. لم تحدد أي جهة تصنيع كبرى تقريبًا تواريخ التخلص التدريجي من محركات الاحتراق الداخلي (ICE) في بداية العام، وقد فعل ذلك الآن المصنعون الذين يمثلون ثلث السوق العالمية. كما تم التعهد بالتزامات واسعة النطاق لتسريع التحول إلى السيارات الكهربائية، بما في ذلك:

  • إعلان (COP21) بشأن تسريع الانتقال إلى 100% سيارات وعربات صغيرة الانبعاثات التي جمعت أكثر من 35 دولة و 6 شركات تصنيع سيارات رئيسية و 43 مدينة وولاية ومنطقة و 28 مالك أسطول و 15 مؤسسة مالية ومستثمر، يلتزمون جميعًا بالعمل معًا لتحقيق هذا الهدف.
  • يلتزم مصنعو السيارات الذين يمثلون أكثر من 30% من السوق العالمية الآن بالتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري للسيارات، ارتفاعًا من الصفر تقريبًا قبل عامين.
  • التزمت كل من جنرال موتورز وجاكوار وفيات وفولفو وأودي وفورد وفولكس فاجن في أوروبا بإنتاج مركبات عديمة الانبعاثات (ZEV) بنسبة 100% بحلول عام 2035.
  • اشتركت أكثر من 110 شركة في تعهد السيارات الكهربائية مئة في المئة (EV100)، بحلول عام 2030 تسريع التبديل إلى المركبات الكهربائية.
Share This