مشروع (شرائح لأمريكا):

الخطة‭ ‬باء‭ ‬للرقائق‭ ‬الإلكترونية

م. قتيبة غزال الهندسة الكهربائية – جامعة دمشق – سوريا

أعلنت إدارة بايدن في فبراير الماضي أنها ستمضي في مشروعها الجديد (شرائح لأمريكا)، الذي يهدف إلى تعزيز التصنيع في الشرائح الإلكترونية عبر تمويل فيدرالي بمبلغ ٥٠ مليار دولار بقروض وتمويلات مباشرة، وهو أحد أكبر الاستثمارات الفيدرالية في تمويل صناعة بعينها، وستذهب نسبة ٨٠ ٪ منه لتمويل بناء المصانع والجزء المتبقي للأبحاث. تنافست الشركات على هذا التمويل الضخم لتصنيع الشرائح مثل شركة سامسونج، وشركة تايوان، وشركة ميكرون تكنولوجي، وإنتل. وكانت الشركات قديمًا لا ترغب في الاستثمار في بناء هذه المصانع في الولايات المتحدة، نظرًا لتكاليف العمالة المرتفعة وتضخم تكاليف تشغيل المصنع، حيث إن الولايات المتحدة هي الرائدة في التصميم، ولكنها لا تصنع سوى نسبة قليلة داخل أراضيها، فنسبة ٩٠٪ من حاجة أمريكا للشرائح تأتي من تايوان، وتريد أمريكا الاستغناء في الاعتماد عليها لاحتمالية الغزو العسكري الصيني للجزيرة. وقد أعلنت شركة تايوان لتصنيع الشرائح (TSMC) على التوسع في ولاية أريزونا، في حين تستثمر شركة سامسونج الكورية في تكساس، أما شركة ميكرون فإن أغلب استثماراتها تكمن في مدينة نيويورك، أما شركة إنتل فإنها تخطط للاستثمار في موقع ضخم في ولاية أوهايو. 

إلا أن هناك عائقًا كبيرًا، كيف ستجد الشركات العمالة المؤهلة اللازمة والكافية لتشغيل هذه المصانع وتصميمها؟، ولنجاح المشروع تحتاج المصانع إلى مئات المهندسين والفنيين المهرة بمختلف التخصصات ويغلب عليهم حملة الشهادات العليا. ويبدو أن الأقسام الهندسية في الجامعات الأمريكية قد بدأت بإعادة تصميم المناهج الدراسية المتعلقة بالشرائح وتكثيفها وإقامة شراكات استراتيجية بينها وبين الصناعة لتدريب العاملين، حيث يحتاج السوق إلى ٥٠ ألف عاملٍ خلال الخمس سنوات القادمة. ولدعم هذه البرامج، قدمت شركة إنتل منحة بمبلغ ٥٠ مليون دولار لـ ٨٠ مؤسسة تعليمية في ولاية أوهايو؛ لتساعد الكليات على تحديث المناهج، وتدريب الكادر التدريسي، وتوفير المعدات، وتوفير الفرص البحثية. وستقود جامعة أوهايو قصب السبق في الموضوع عبر مركز جديد متعدد التخصصات للبحث والتعليم في صناعة الشرائح الإلكترونية المتقدمة، وسيشمل ١٠ كليات في الولاية مثل أقسام الهندسة الكهربائية والهندسة الحاسوبية. سيتعلم مهندسو المواد دروسًا جديدة حول مواد تعبئة الشرائح، وسيتعلم مهندسو النظم الصناعية عمليات تصنيع الشرائح الإلكترونية، وسيتعرف مهندسو الآلات على أدوات تصنيع الأجهزة، لقد كانت المواد موجودة ولكن الجامعات بدأت بتطويرها وتكثيفها. 

بالإضافة إلى ذلك، تتعاون جامعة ولاية أوهايو مع 10 مؤسسات أخرى بما في ذلك جامعة بردو وميتشغن واللتين أطلقتا درجات البكالوريوس والماجستير في هذا التخصص اللازم لصناعة الشرائح الإلكترونية، وسيتم استخدام أدوات الواقع المعزز والافتراضي مما سيتيح للطلاب محاكاة المصنع، أما فيما يتعلق بالتدريب، فإن للطلبة ضمان حصولهم على تجربة تدريبية متميزة في مراكز بحوث تكنولوجيا النانو في بيردو وشركات الشرائح الإلكترونية. في عام ٢٠٢١م، أعد أساتذة جامعة إلينوي برنامجًا كاملاً لتصميم الدائرة المتكاملة، حيث يعمل الطلبة في فرق ويقومون بتحديد المشكلة وتصميم الدائرة المتكاملة ثم يرسلون التصاميم إلى مصنع تايوان المعروف لإنشاء لوحة دائرة مطبوعة للشريحة. من ناحية أخرى، تعتبر شركة إنتل نفسها محفزًا لترقية نظام التعليم العالي لإنتاج القوى العاملة التي تحتاجها، حيث تُعد واحدة من قلة شركات الشرائح الإلكترونية التي تُنتج معظم رقائقها في الولايات المتحدة، وتوسع مصانعها في ولايات أريزونا ونيو مكسيكو وأوريغون. ومع ذلك، كانت إنتل تواجه صعوبة في العثور على عمال وفنيين حاصلين على درجة الدبلوم للحفاظ على استمرارية عمل مصانعها تعمل منذ انتشار جائحة كوفيد-19. وبالتالي، تعتبر الكليات الهندسية جزءًا حاسمًا لحل مشكلة شح اليد العاملة في مجال الإلكترونيات الدقيقة. 

وتستثمر شركة سامسونج في أوستن بالكليات المجاورة والمدارس التقنية من خلال منح دراسية وفترات تدريب صيفية وبرامج مختلفة. إن شركة سامسونج تدعم كلية أوستن بالتدريب الفني اللازم ويسمح البرنامج كذلك لتدريب الطلبة في المصنع لإكمال درجة الدبلوم التقني، بل يدفعون كامل تكاليف الرسوم للطلبة المتفوقين. وهناك العديد من البرامج الرائدة في مجال أشباه الموصلات في الولايات المتحدة مثل برنامج معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وجامعة ستانفورد، وجامعة كاليفورنيا بيركلي المشهورين ببرنامجهم مع شركاء صناعيين كثر ويقدمون فرصا بحثية عديدة في المجال، وكذلك جامعة كارنيجي ميلون الذين يملكون مركزًا متخصصًا في المجال. إن وجود هذه البرامج الرائدة سيساعد الولايات المتحدة في زيادة حصتها من سوق الشرائح في السنوات القادمة. على أية حال، لا تقتصر مشكلة نقص المواهب في صناعة الشرائح الإلكترونية على الولايات المتحدة الأمريكية، ففي تايوان أصبح من الصعب العثور على مهندسين شباب في هذا المجال. وتتنافس شركات الشرائح حول العالم على جذب المواهب بزيادة الرواتب وتوفير المنح الدراسية، والتدريبات الصيفية، وبرامج التوجيه للطلاب في المدارس الثانوية المهنية. 

وتعمل شركة سامسونج مع أربع جامعات رئيسة في كوريا الجنوبية لتوفير مناهج دراسية مخصصة لتدريب الطلاب في بحوث وتصنيع الشرائح الإلكترونية. وتقوم حكومة تايوان، بدورها، بالتعاون مع شركات الشرائح لاستثمار 300 مليون دولار في إنشاء مدارس عُليا متخصصة في صناعة الشرائح داخل الجامعات العليا الرائدة، لتدريب الجيل القادم من مهندسي الشرائح الإلكترونية. وعند المقارنة مع الجانب الصيني، فلديهم الكثير من البرامج، وتعتبر جامعة تسينغهوا واحدة من أفضل الجامعات في هذا المجال، فلديهم برنامج متكامل أكاديمي وبحثي، وتليها جامعة بكين وفودان، وكذلك جامعة شنغهاي. وتعتبر ألمانيا من الدول الرائدة في الصناعة والتدريس في هذا المجال، حيث إن جامعة ميونخ للتكنولوجيا توفر برنامجًا متقدمًا في الرقائق الإلكترونية، وكذلك جامعة آخن وشتوتجارت، وجامعة برلين التكنولوجية.

أما الدول العربية، فالصناعة غير موجودة، ولكن الجامعات لديها كورسات متعلقة في هذا اإنلمجال ضمن برنامج الهندسة الكهربائية، ويمكن التركيز فيها على المجالات المتعلقة بأشباه الموصلات والرقائق الإلكترونية. ومن هذه الجامعات جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وجامعة الملك سعود والتي تتميز بوجود معهد الملك عبد الله لتقنية النانو، وكذلك الجامعة الأمريكية في بيروت وجامعة القاهرة. ومن الجدير بالذكر أن بريطانيا تريد اللحاق بالركب والاستثمار، فأعلنت في شهر مايو عن تمويل بأكثر من مليار دولار لصناعة الشرائح، مع العلم أن الدول الأولى في صناعة الشرائح على مستوى العالم هي الولايات المتحدة والصين وتايوان وكوريا الجنوبية واليابان وألمانيا وسنغافورة.

Share This