مفهوم الجاذبية
الكهرومغناطيسية المذهل
Robyn Arianrhod – COSMOS – 30/08/2021
واحدة من أكثر الأشياء روعة في الرياضيات هي الطريقة التي تبدو متكيفة بها لتمكين الفيزيائيين من التحدث عن الطبيعة. وليس الحديث فقط، بل وفهم واكتشاف جوانب جديدة للواقع وابتكار تقنيات جديدة. ما لا شك فيه، يحب علماء الرياضيات «البحت» اللغة الرياضية لمجرد وجودها، فهي بالنتيجة إبداع سامٍ من إبداعات العقل. من ناحية أخرى، يميل علماء الرياضيات «التطبيقيون» إلى وجود دور لهم في كلا المعسكرين فهم يحبون الإثبات الأنيق مثل أي عالم رياضيات خالص، لكنهم يشعرون بالإثارة أيضًا عندما تساعد رياضياتهم في تسليط الضوء على الواقع المادي. والطريقة الرئيسة للقيام بهذا هي التشبيه.
التشبيه المثير للاهتمام بشكل خاص هو ذاك بين معادلات الجاذبية لآلبرت آينشتاين (Albert Einstein) ومعادلات جايمس كليرك ماكسويل (James Clerk Maxwell) عن الكهرومغناطيسية. حيث أدى ذلك إلى مجال بحث مثير يسمى الجاذبية الكهرومغناطيسية، وإلى التنبؤ بقوة جديدة، هي «الجاذبية المغناطيسية». من المؤكد أن فكرة مثل هذه القوة لا يمكن تصورها من دون مساعدة المقارنة الرياضية أو الفيزيائية، ولكن المثير للدهشة هي أن الأدلة الحديثة تشير إلى أنها موجودة بالفعل. سأوضح أولًا مصطلح «التشابه الرياضي». في صوره الأشد صرامة، يعني أن المعادلات التي تصف شيئين مختلفين تبدو متشابهة. من الأمثلة الكلاسيكية من القرن الثامن عشر قانون الجاذبية لإسحق نيوتن (Isaac Newton)، وقانون الكهرباء الساكنة لتشارلز أوغستين دي كولوم (Charles Augustin de Coulomb). كلاهما يحتويان على شكل «التربيع العكسي»، (k ab/r2)، حيث (r) هي المسافة بين عنصرين (A) و(B). في قانون نيوتن، (A) و(B) هما كتلتا عنصرين، بينما في قانون كولوم فهي الشحنات الكهربائية، كذلك يختلف الثابت (K) في كل قانون، ويعتمد على وحدات القياس.
بالانتقال السريع إلى عام 1865، أي بعد قرن، نجد الصياغة الرياضية لقوانين الكهرومغناطيسية التي وضعها جايمس كليرك ماكسويل، المعادلات التي توضح كيف يمكن للتيارات الكهربية المتغيرة، غير الساكنة، أن تخلق مغناطيسية، وكيف تولد المغناطيسات المتحركة الكهرباء. اكتُشف هذا الترابط الاستثنائي، الذي يسمى بالحث الكهرومغناطيسي، بالتجربة على يد هانز أورستيد (Hans Oersted) ومايكل فاراداي (Michael Farady)، ووضعه ماكسويل في شكله الرياضي الكامل. إنه الحث المألوف الآن في مواقد أسطح الطهي، وهو سر التقنيات الكهرومغناطيسية الأخرى كالمحركات الكهربائية ومولدات الكهرباء. وهذا هو الحث نفسه الذي سيثبت أنه أساسي لمفهوم الجاذبية الكهرومغناطيسية. الأمر يتعلق باللغة. كتب ماكسويل بإسهاب عن أهمية، ومخاطر، استخلاص النتائج من التشابهات، واستخدمها ببراعة في صياغة معادلاته الشهيرة.
أولًا، باستيحاء أفكاره من فاراداي، ابتكر ماكسويل مفهوم المجال الرياضي في الفيزياء. الفكرة هي أنك تستطيع تخصيص قيمة رياضية لكمية فيزيائية، مثل القوة الكهرومغناطيسية، في كل نقطة في الخواء، تمامًا كما يتكون حقل قمح من كل نبتة فردية. كانت فكرة ثورية قبل 150 عامًا؛ لأنه كان يُفترض على نطاق واسع أن القوى الكهرومغناطيسية وقوى الجاذبية تعمل لحظيًا، بدلًا من الحاجة إلى الوقت والمكان لانتشارها. بعد ذلك، اكتشف واحدًا من أكثر المقارنات الرياضية إقناعًا في تاريخ الفيزياء، تلك بين المعادلة المعروفة التي تصف طريقة انتقال الموجة على طول وتر الغيتار المقطوع، واثنتين من المعادلات التي استخلصها من مجاله المغناطيسي الرياضي. تمامًا كما هو الحال مع قانوني التربيع العكسي لنيوتون وكولوم، ظهر التشابه هنا كنمط مشابه في شكل معادلات، باستثناء أنه على عكس وتر الغيتار المهتز، انتقلت الموجهات الكهرومغناطيسية بسرعة الضوء.
كانت هذه مصادفة مذهلة جعلت ماكسويل يقدم تنبؤًا جريئًا: لا تنتقل الكهرومغناطيسية كموجة من الحقول الكهربية والمغناطيسية المتذبذبة فحسب، بل الضوء نفسه هو موجة كهرومغناطيسية. حُلَّ لغزان فيزيائيان قديمان بتشابه رياضي واحد: لا توجد حركة كهرومغناطيسية فورية على مسافة، والكشف عن طبيعة الضوء!، كان توماس يونغ (Thomas Young) قد حدد الحركة الموجية للضوء في عام 1801، ولكن لم يعرف أحد مما كانت مصنوعة، وما كان «التموج» أو التذبذب. ننتقل سريعًا الآن إلى عام 1916، في الوقت الذي كان قد تكيف فيه آينشتاين مع فكرة مجال ماكسويل لتحديث نظرية نيوتن في الجاذبية، التي أدرجها في النظرية العامة للنسبية (GR). يوضح تكيّف آينشتاين لمفهوم المجال الرياضي من نظرية إلى أخرى طريقة أخرى يمكن أن تكون فيها التشابهات الرياضية مثمرة في الفيزياء. كانت فكرة ماكسويل حقلًا ناقلًا، بينما استخدم آينشتاين حقول التوتر. الموترات هي تشبيهات معممة للناقلات. وهنا تحية ممتنة لعلماء الرياضيات البحت، فالناقلات، والموترات، والعديد من هذه المفاهيم القوية كلها بدأت كفضول رياضي بحت. يمكن تخيل الناقلات على أنها أسهم، يمثل طولها واتجاهها سمتين مختلفتين، كشدة واتجاه القوة. بينما يمكن أن تمثل الموترات أي عدد من الكميات، لذا يمكن استخدامها لوصف الظواهر الأكثر تعقيدًا، مثل انحناء الزمكان رباعي الأبعاد لآينشتاين.
شك كل من ماكسويل وفاراداي وآينشتاين بوجود تشابهات رياضية أو فيزيائية بين الكهرومغناطيسية والجاذبية. وتبين أن هناك عديدًا منها. جذبت اثنتان منها على وجه الخصوص قدرًا كبيرًا من اهتمام علماء الرياضيات. التشابه الأول، الذي اكتشفه آينشتاين في البداية في عام 1913 وجوزيف لينز (Josef Lense) وهانز ثيرينغ (Hans Thirring) عام 1918، ويتضمن نظير الجاذبية للحث الكهرومغناطيسي. اليوم يكون التعامل رياضيًا مع ما يسمى بـ«الجاذبية الكهرومغناطيسية»، أو بالاختصار (GEM)، بشكل عام بتقريب «المجال الضعيف» أو التقريب «الخطي» لمعادلات مجالات النسبية العامة الكاملة، تعمل صيغة أبسط بشكل جيد في المجالات الضعيفة مثل المجال الأرضي. لشرح هذا الأمر أكثر، فإن الهدف من حل معادلات آينشتاين هو إيجاد مقياس الزمكان لحقل الجاذبية، قاعدة قياس المسافات في الزمكان المنحني، المماثلة لنظرية فيثاغورس كالقاعدة لطول الخط في مساحة مسطحة ثنائية أو ثلاثية الأبعاد «إقليدية». أما مقياس المجال الضعيف هو أساسًا مقياس الزمكان المسطح رباعي الأبعاد «مينكوفيسكي»، وهو الزمكان في مناطق بعيدة عن تأثيرات المادة، بالإضافة إلى مصطلح إضافي صغير يرمز إلى الانحناء الناجم عن المادة ضعيفة الجاذبية. لكن الأمر المذهل هو التالي: ينتج عن هذا المصطلح الإضافي أيضًا كميات مُرضية من معادلات تبدو مشابهة بشكل ملحوظ لملاحظات ماكسويل. يمكن التعرف بسهولة على الجزء «الكهروضوئي» مع القوة النيوتونية اليومية الهابطة التي تبقينا راسخين على الأرض. ومع ذلك، فإن جزء «الجاذبية المغناطيسية» شيء غير مألوف تمامًا، قوة جديدة على ما يبدو بسبب دوران الأرض، أو أي كتلة كبيرة.
أكدت نتائج من مهمات أقمار صناعية مثل (Gravity Probe B) على تأثير الجيودوسية وتباطؤ الإطار المرجعي. المصدر: فريق Gravity Probe B / ستانفورد / ناسا
إنه يشبه الطريقة التي ينتج فيها الإلكترون الدوار مجالًا مغناطيسيًا من خلال الحث الحراري، باستثناء أن جسمًا ضخمًا دوّارًا «يحرض» على «سحب» الزمكان بحد ذاته، كما لو أن الزمكان سائل لزج يتم جره جزئيًا حول كرة دوارة. لطالما كان السؤال البالغة قيمته 64.000 دولار هو: إلى أي مدى يمكن دفع مثل هذا التشابهات الرياضية؟ هل «تحريض الجاذبية الكهرومغناطيسية» حقيقي؟ إن كان كذلك، فيجب أن يظهر على شكل تذبذب طفيف في مدار الأقمار الصناعية، وبفضل التأثير «الجيوديسي» أيضًا، وهو انحناء الزمكان بفعل المادة، كتغيير في اتجاه جيروسكوب مداري. هذا الأخير يشبه طريقة تغير المجال المغناطيسي الناتج عن تيار كهربائي ثنائي القطب المغناطيسي. أخيرًا، بعد قرن من التكهنات، بدأت الإجابات تتكشف. حيث أكدت النتائج المستقلة من عديد من بعثات الأقمار الصناعية، ولا سيما (Gravity Probe B, LAGEOS, LARES, GRACE)، التأثيرات الجيوديسية وتأثيرات تباطؤ الإطار المرجعي بدرجات متفاوتة من الدقة. بالنسبة لتباطؤ الإطار المرجعي، كان أفضل توافق مع النسبية العامة في حدود 0.2% بدقة 5%، حسب ما وصل له علماء الفلك من بيانات القمر الصناعي (LARES 2)، الذي أطلق في نهاية عام 2019.
ستوفر النتائج الأكثر دقة اختبارات أكثر صرامة للنسبية العامة، لكن علماء الفيزياء الفلكية آمنوا بالفعل بالجاذبية المغناطيسية. على سبيل المثال، إنها تقترح آلية لشرح النفثات الغامضة للغاز التي لوحظ أنها تنبعث من النجوم الزائفة ونواة المجرة النشطة. إن دوران الثقوب السوداء الهائلة في قلب هذه القوى الكونية سيؤدي إلى تباطؤ هائل في الإطار المرجعي وتأثيرات جيوديسية هائلة. لذا فإن وجود حقل جاذبية مغناطيسي ناتج مشابه للحقل المغناطيسي المحيط بقطبي المغناطيس يفسر محاذاة النفثات مع محور الدوران الشمالي الجنوبي للمصدر. مع ذلك، فإن إجراء المقارنات هو عمل صعب، ومن وجهة نظر رياضية، لا تزال هناك بعض الانحرافات التفسيرية التي لا يزال يتعين كشفها. الأمر الذي يؤدي إلى تشابه آخر بين معادلات آينشتاين وماكسويل. على عكس تشبيه الجاذبية الكهرومغناطيسية، برز هذا في سياق رياضي بحت، ابتكره آ. مات (A. Matte) في عام 1953. يمكن التعبير عن معادلات ماكسويل في شكل موتر، عبر الجمع بين نواقل المجال الكهربائي والمغناطيسي في موتر واحد، يسمى موتر فاراداي، أو موتر ماكسويل «الثنائي». الموترات ذات الصلة في النسبية العامة هي ريمان وفايل، تُعرف الأولى من حيث مشتقات الموتر المتري، لذا فهو يصف الطريقة التي تقوس بها الجاذبية الزمكان. أما موتر فايل فهو جزء من موتر ريمان، ويصف الانحناء خارج مصدر الجاذبية فقط. بعبارة أخرى، يصف تأثيرات الجاذبية غير المحلية، لذا فهو مهم في تحليل إشعاع الجاذبية، وتطور الكون.
تبين أنه مثلما يمكن تقسيم موترات فاراداي وماكسويل بالعكس إلى أجزائها الكهربائية والمغناطيسية، كذلك يمكن تقسيم موتر ريمان وفايل، بطريقة مشابهة، إلى أجزاء «كهربائية» و «مغناطيسية». من المعروف أن معادلات آينشتاين صعبة الحل، وقد أثبتت هذه الموترات «الكهربائية» و»المغناطيسية» فائدتها في تحليل فئات معينة من الحلول. ركزت عديد من هذه الاستكشافات على تحديات رياضية مثيرة للاهتمام بحد ذاتها. ولكن هناك أيضًا احتمالًا مثيرًا بأنها ستعطي رؤية جديدة للفيزياء أيضًا، خاصة علم الكونيات وموجات الجاذبية. أما العلاقة بين هذه الموترات «الكهربائية» و«المغناطيسية» الرياضية ومجالات الجاذبية الكهرومغناطيسية الرياضية الفيزيائية، فلا تزال هيئة المحلفين خارج نطاق التحكيم. ولا يزال هناك كثير في التشابهات بين ماكسويل وآينشتاين التي ستجعل علماء الرياضيات منشغلين مدة طويلةً.