هل يمكن أن يكون
ميكروبيوم الأمعاء
سببًا وعلاجًا لداء السكري؟
د. مروة فتحي كيمياء – جامعة القاهرة – مصر
السكري داء مزمن لا يترك جهازًا حيويًا إلا ويؤثر فيه سلبًا؛ فهو من الأسباب الرئيسة للإصابة بالأمراض القلبية، والفشل الكلوي، وبتر الأطراف والعمى، وغيرها من الأمراض الخطيرة والمزمنة، حتى أنه في عام 2019 كان السبب التاسع المباشر للوفيات على مستوى العالم. ومن المؤسف أن الدول العربية أصبحت الآن منافسًا قويًا في عدد الإصابات بداء السكري ومضاعفاته، إذ تقع 6 دول عربية ضمن الدول العشر الأولى الأكثر إصابة بالسكري بالنسبة لعدد السكان. ينجم داء السكري من عدم قدرة البنكرياس على إنتاج الأنسولين اللازم لضبط مستوى الجلوكوز بالدم، وهذا ما يسمى السكري من النوع الأول أو السكري المعتمد على الأنسولين.
أما السكري من النوع الثاني، فيحدث نتيجة عدم قدرة الجسم على إنتاج كميات مناسبة من الأنسولين أو الاستفادة منه بشكل فاعل ويُعرف أيضًا بالسكري غير المعتمد على الأنسولين وهو المسبب لقرابة %95 من حالات داء السكري. وهناك أيضًا سكري الحمل، والذي يزيد من احتمال حدوث مضاعفات في أثناء الحمل والولادة، كذلك النساء اللاتي يُصبن بسكري الحمل أكثر عُرضة للإصابة بالسكري من النوع الثاني فيما بعد وأيضًا أطفالهن. الميكروبيوم والصحة

يحتوي جسم الإنسان على عديد من الكائنات المجهرية، التي تُعرف مجتمعة باسم «الميكروبيوم»، وهي تُكوِّن مستعمراتها في عديد من أجهزته الحيوية منذ ولادته وتكون سببًا في حمايته لاحقًا من أمراضٍ عدة، إذ إن الميكروبيوم يؤدي دورًا مهمًا في المحافظة على التوازن الحيوي في الجسم.
ومن الأمراض الناجمة عن الاضطراب في أعداد أو تنوع الميكروبيوم:
- اضطرابات الجهاز الهضمي.
- الأمراض الأيضية، مثل داء السكري.
- أمراض المناعة الذاتية، كالذئبة الحمامية الجهازية والتهاب المفاصل الروماتويدي.
يحدث التغير في ميكروبيوم الأمعاء نتيجة عديد من العوامل التي يتعرض لها الإنسان منذ ولادته وفي أثناء فترات حياته المختلفة، مثل العدوى، والعمليات الجراحية، وتناول المضادات الحيوية، والتغذية غير الصحية، وغيرها من العوامل التي تجعل هذا التغيير مرضيًا ومزمنًا.
السكري من النوع الثاني والميكروبيوم
يعد النظام الغذائي، ونمط الحياة، والسِمنة من المقدمات التي تؤدي للإصابة بالسكري من النوع الثاني، ويصاحب هذه العواملَ تغيير في خريطة الميكروبيوم بالأمعاء من حيث الأنواع والأعداد والتوزيع. وقد وجد العلماء أن الخلل في ميكروبيوم الأمعاء في مرضى السكري من النوع الثاني يؤدي إلى التهاب منخفض الدرجة في الأمعاء، مما يزيد من نفاذية بطانتها الداخلية وتمرير عديد من مركباتها الأيضية وتلك الناتجة عن تحلل جدار الخلايا البكتيرية إلى الدم، تنتمي هذه المركبات لواحدة من المواد التالية:
- الأحماض الدهنية قصيرة السلسلة.
- متعدد السكريد الشحمي.
- الأحماض الصفراوية الثانوية.
تعمل هذه المُركّبات بعدة آليات مؤديةً إلى التهاب جهازي مركزي؛ ومؤثرة في عديد من الأعضاء، ومنها البنكرياس المسؤول عن إنتاج الأنسولين، فيختل توازن الجلوكوز في الدم مسببًا الإصابة بالسكري من النوع الثاني. لذلك يدرس العلماء استخدام خريطة مجهريات الأمعاء كعلامة حيوية للكشف المبكر عن الإصابة بداء السكري من النوع الثاني.
تأثير الأدوية الخافضة لسكر الدم على ميكروبيوم الأمعاء
يعد الميتفورمين أكثر الأدوية التي يصفها الأطباء لمرضى السكري من النوع الثاني منذ أن اُعتمد من قِبل العديد من منظمات الصحة في كثير من الدول في عام 1954. ورغم أن آلية عمله غير معروفة بشكلٍ دقيق، إلا أن هناك عديدًا من الآليات المقترحة مثل:
- تقليل استحداث السكر الكبدي.
- زيادة تكوين الجليكوجين.
- تقليل امتصاص الجلوكوز من الأمعاء.
- تقليل امتصاص العضلات للجلوكوز.
كما يعمل الميتفورمين أيضًا على استعادة التوازن الطبيعي لميكروبيوم الأمعاء وزيادة أعداد بعضٍ منها، مثل العصيات اللبنية، والإشريكية القولونية، وبعض الفصائل البكتيرية المنتجة للأحماض الدهنية قصيرة السلسلة التي تعمل على تقليل الالتهابات بالأمعاء وزيادة خلايا بيتا الفعالة في البنكرياس. في إحدى الدراسات أظهر تحليل البراز للمرضى الذين تناولوا الميتفورمين مدة شهرين إلى أربعة أشهر تغيرًا ملحوظًا في ميكروبيوم الأمعاء من حيث الأنواع والأعداد. يقع أغلب هذا التغير في اتجاه زيادة البكتيريا المساعدة على تحسين الأيض، وزيادة حساسية الأنسولين، وتحمل الجلوكوز، مثل بكتيريا العصيات اللبنية، والبكتيريا الشقية.


استعادة توازن الميكروبيوم
أصبح الآن هدف العلماء هو علاج مرضى السكري من النوع الثاني باستعادة التوازن الطبيعي للميكروبيوم في الأمعاء، عبر عدة طرق منها التقليدي، مثل استخدام بعض العقاقير الطبية كالميتفورمين، كما ذكرنا سابقًا، أو استخدام بعض المضادات الحيوية التي تستهدف القضاء على بعض السلالات التي تزيد عن معدلاتها الطبييعية في الأمعاء. وهذه الأخيرة يوجد عليها عديد من التحفظات لما قد تسببه من نشوء سلالات جديدة مقاومة لها. يعمل العلماء الآن على طرقٍ مبتكرة لاستعادة توازن الميكروبيوم، منها زراعة الميكروبيوم الغائطي وتناول البروبيوتيك والبريبيوتك وجميعها يعتمد على إدخال الميكروبيوم الطبيعي إلى جسم المريض بطرقٍ مختلفة والسماح لها بالتكاثر والنمو واستعادة التركيب الطبيعي لبطانة الأمعاء والمواد الأيضية الطبيعية وتقليل الالتهابات الجهازية، ومن ثم علاج الأمراض المصاحبة لاضطرابات الميكروبيوم.
زراعة الميكروبيوم الغائطي
هي عملية نقل الميكروبيوم الطبيعي الموجودة في براز شخص طبيعي إلى أمعاء المريض، بعد إجراء فحوصات عديدة واختبارات غربلة للحصول على أفضل عينات من المتبرعين. ويُزرع الميكروبيوم بعدة طرق منها: تنظير القولون، أو الحقن الشرجية، أو الأنبوب الأنفي المعدي، أو من كبسولات تؤخذ بالفم. وتعتمد هذه الآلية على قدرة الميكروبيوم المزروع على التأقلم والنمو داخل جسم المضيف والتغلب على أي مجموعات مجهرية أُخرى غير مرغوبة. وطُبقت هذه الآلية في علاج العدوى المتكررة ببكتيريا المطثِية العسيرة وأدت إلى نتائج إيجابية؛ مما شجع العلماء على عمل دراسات إكلينيكية لعلاج السكري من النوع الثاني بزراعة الميكربيوم الغائطي. في إحدى الدراسات، تحسنت حساسية الأنسولين في المرضى الذين خضعوا لزراعة الميكروبيوم الغائطي المأخوذ من أشخاص أصحاء، مقارنةً بهؤلاء الذين زُرِعَ لهم الميكروبيوم الغائطي المأخوذ من المرضى أنفسهم «زراعة وهمية». رغم أن هذه النتائج تُبشر بعلاج فاعل، إلا أنها مؤقتة إذ سرعان ما يعود الاضطراب في الميكروبيوم خاصةً مع استمرار التعرض للعوامل التي سببت حدوثه سابقًا، مثل الطعام غير الصحي عالي السعرات، والاستخدام الخاطئ للمضادات الحيوية، مما يستلزم مزيدًا من الدراسة للتغلب عليها وتثبيت تأثير الميكروبيوم المزروع ومعرفة العوامل الأخرى المؤدية لهذا الاضطراب وعلاجها.
تناول البروبيوتيك
طبقًا للرابطة العلمية الدولية للبروبيوتيك والبريبيوتيك؛ فإن علاج البروبيوتيك يتضمن تناول كائنات حية دقيقة بكميات مناسبة لإحداث فوائد صحية مرغوبة في الكائن المضيف، ويتضمن هذا استخدام الفصائل التي بنقصها يصاب الشخص بالمرض. وقد استُخدمت هذه الطريقة لعلاج عديد من الأمراض، مثل علاج مرض الأمعاء الالتهابي باستخدام البكتيريا البرازيا النافعة (Faecalibacterium Prausnitzii). ولأنه لا يوجد إلى الآن إجماع على سلالة محددة من البكتيريا التي تسبب خللًا في سكر الدم، فإن العلماء يدرسون عدة إستراتيجيات لاستخدام البروبيوتيك في علاج السكري، منها استخدام أنواع البكتيريا التي لها خصائص أيضية أو مضادة للالتهاب. وتستخدم فصائل بكتيريا الشقاء وبكتيريا العصيات اللبنية لعلاج السكري، لما تتمتع به من قدرة على تحسين تحمل الجلوكوز، كما تقلل من فرصة الإصابة بسكري الحمل عبر عديد من الإستراتيجيات.

تناول البريبيوتيك
البريبيوتيك، هي ألياف طبيعية توجد في عديد من الأطعمة الصحية لاسيما الخضراوات والفاكهة. ولا يستطيع جسم الإنسان هضمها بينما يعمل ميكروبيوم الأمعاء على هضمها؛ لأنها الغذاء الأساس له. يعزز تناول البريبيوتيك نمو بكتيريا الأمعاء النافعة في مرضى السكري؛ مستعيدًا التوازن الطبيعي للميكروبيوم والذي يعمل بدوره على التحكم في مستوى السكر بالدم. استعادة توازن ميكروبيوم الأمعاء هو أمل جديد لمرضى السكري من النوع الثاني يحتاج إلى مزيد من الدراسة لفهمه وتطبيقه.